مقالات وآراء

اليوم الأول بعد انتهاء الحرب على غزة.. مصطلحات للتفاوض أم حدود لفرض الإملاءات؟!

بقلم: فراس عزيز ديب

في السياسة، اعتدنا دائماً أن التحضير لأي مرحلة قادمة في سياق فرض الأجندات أو الخيارات يسبقها تعويم المصطلحات الملائمة والتي تشكل الأرضية التي تنقل المتلقي من مرحلة إلى ثانية دونما الخوض بتعقيدات الربح والخسارة، بالسياق ذاته تبدو هذه المصطلحات الشجرة التي يقطف منها السياسيون كل المسوغات للجرائم المباشرة أو غير المباشرة التي تقتضيها بناء تلك المرحلة، وكان مصطلح «الحرب على الإرهاب» أو تلك الكذبة التي ابتدعتها الولايات المتحدة وما جرّتها على شعوب الأرض من ويلات، هي خير مثال على ذلك، اليوم ومع اقتراب دخول الحرب على غزة شهرها الخامس يتم الترويج لمصطلحٍ جديد شكَّلِ عنواناً لسؤالٍ عريض: ماذا بعد انتهاء الحرب؟

بداية تداول هذا المصطلح كانَ عبر الكثير من المقالات والدراسات الغربية وحتى الإسرائيلية نفسها والتي تحدثت عن غياب الأفق في الحرب الإسرائيلية على غزة وسطَ تزاحم التساؤلات المنطقية حول مستقبل الصراع، الكثير من هذهِ الأفكار كانت تتعاطى مع الأهداف التي وضعتها حكومة الإرهاب الإسرائيلية من بابِ الاستهزاء بالضياع الذي تعاني منه هذهِ الحكومة وغياب خطة حقيقية لمواجهة ما يسمونه «خطر المقاومة» لتنتقل التساؤلات إلى المعنى الأضيق: ماذا بعد القتل والتدمير والتهجير؟ ماذا بعد الصورة الفوضوية للكيان التي لن تُمحى بسهولة عند شعوب الدول التي دعمته حكوماتها؟ لا أحد كان قادراً على إعطاء أجوبة بما فيهم أولئك المقربون من مجلس الحرب الصهيوني، أو حتى الدول التي تدعمه لأن تغيير صيغة التساؤلات لا يعني الاقتراب من وضوحِ الأهداف، لنصل خلال الأسابيع القليلة الماضية بعدَ أن فرغَ بنك الأهداف الإسرائيلية إلى المصطلح الأكثر تداولاً هذه الأيام: رؤية جميع الأطراف لليوم الأول بعد الحرب.

عندما نتحدث عن صيغةٍ كهذهِ فإننا نتحدث حكماً عن واقعٍ جديد يجري التحضير له بموافقة جميع الأطراف الفاعلة لكن بدرجاتٍ متفاوتة من القبول أو الرفض، تلك الرؤى لهذا المصطلح الذي سيشكل أرضية ستبنى عليها المرحلة القادمة هي بجزأين:

الجزء الأول وهو المتعلق بالدول العربية التي وحسب الكثير من وسائل الإعلام بدأت بالتحضير لخطة متكاملة حول مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

على صعيد الأفكار حتى الآن لا تبدو الخطة بطروحاتٍ واضحة حتى بين الفلسطينيين أنفسهم، فما بالك بالدول العربية؟ فالحديث مثلاً عن ضم حركات المقاومة إلى منظمة التحرير الفلسطينية يحتاج أولاً وأخيراً إلى موافقة هذه الحركات نفسها لأن القبول بالانضمام يعني القبول بخيارات أوسلو، ما يعني فعلياً انتهاء العمل المقاوم إلى غير رجعة، تحديداً أن تصريحات لمسؤولين في السلطة الفلسطينية تتحدث عما هو أبعد من أوسلو!

بالسياق ذاته، على الخطة أن تكون أكثر شمولاً لأن الوضع في الضفة الغربية لا يقل سوءاً عن غزة، فمن سيحمي الفلسطينيين هناك من الاستيطان والاغتيال؟ حتى الضمانات الأمنية التي توفرها السلطة لإسرائيل لم تشفع للفلسطينيين هناك، كما أن الثمن المطلوب لقاء كل ذلك يبدو غامضاً، هل سيكون الثمن وقف الحرب فقط؟

في سياق متصل يمكننا القول: إن ما هو أسوأ من عدم وضوح الأفكار هو عدم وضوح الطريقة التي سيتم فيها اعتماد الخطة، هل ستكون عبرَ الجامعة العربية وبالتالي ملزمة لكل من يوافق عليها كما حدثَ مع المبادرة العربية للسلام والتي ضربت بها إسرائيل منذ عقدين من الزمن عرضَ الحائط؟

هل سيتم تطبيق شرط الإجماع العربي لاعتماد الخطة أم أنها على طريقة إخراج سورية من الجامعة العربية سيتم تجاهل هذا الشرط؟ ثم كيف يمكن تطبيق شرط الإجماع هذا والدول العربية نفسها تختلف حتى على توصيف مسار الأحداث منذ السابع من تشرين الأول، أم أنها ستكون خطة مبنية على مجموعةِ أفكار مقتصرة على الدول التي ستتكفل بإعادة البناء؟

إذن لا يجوز الحديث هنا عن خطة عربية لأننا عندها سنعود إلى الدوامة ذاتها التي تتكفل بترحيل الصراع، لا إيجاد حلولٍ له، هذه بعض التساؤلات التي تؤكد فكرة أن الكلام عن خطة عربية فيه الكثير من التهويل الإعلامي أكثر من كونها عملاً متكاملاً يهدف إلى إنقاذ ما تبقى من فلسطينيين، تهويل تدعمه الولايات المتحدة لاستخدامهِ كورقةِ ضغطٍ على حكومة العدو لا أكثر لجعلها أكثر ليونة في قبول المطالب الدولية بوقف الحرب، تحديداً أن اضطرار الولايات المتحدة لدعم الكيان بهذه الطريقة الوقحة بات يشكل عبئاً عليها، كان آخرها استخدام حق النقض أمام مجلس الأمن ضد مشروع قرار متوازن أعدته الجزائر لوقف هذه المذبحة المفتوحة، إذن وبمعزل عن هذه التساؤلات التي لا أجوبة عنها فإن الإقرار بخطة عربية كهذهِ يحتاج إلى الكثير من العمل العربي المشترك وهو ما ليسَ متوفراً في الوقت الراهن.

الجزء الثاني يتعلق بالعدو الإسرائيلي، هنا يبدو أن العاطفة والواقعية يجتمعان معاً ليقودا بدهية أن حكومة الإجرام الإسرائيلية مازالت تهرب إلى الأمام، لكن هذا الهروب لا يبدو متخبطاً كما يرى البعض بل هو للأسف هروب مدروس يستند إلى معطيات كثيرة أهمها أن رئيس حكومة كيان العدو المجرم بنيامين نتنياهو سلح نفسه داخلياً بموافقة الكنيست باعتمادِ قرار يرفض الضغوطات الغربية لإقرارِ حل الدولتين، اللافت أن قرار الكنيست جاء حتى بموافقةِ المعارضة الإسرائيلية التي قال رئيسها يائير لابيد: «إن المرحلة تتطلب الاتحاد وإن كنت مدركاً بأن نتنياهو يكذب بشأن الضغوطات الخارجية»، هذا القرار يعطينا صورة بأن لا ضغوطات خارجية على الكيان وكل ما نراه أشبه بسيناريوهات هوليودية لا أكثر، كما أنه يؤكد أن الكيان ليس فيهِ حمائم وصقور، والجميع نتنياهو وقتَ الحرب ووقتَ السلم، لذلك كنا نقول لمن يبشرنا بسقوط نتنياهو عقبَ هذه الحرب: هل حقاً ترى هذا انتصاراً؟

بالسياق ذاته يبدو نتنياهو نوعاً ما متسلحاً بما يسميها إنجازات على الأرض، استطاع أن يقنع الإسرائيليين بأنها حربهم لا حربه، حرب وجود وليست حرب استعادة رهائن، حرب فرض الشروط مرة واحدة وإلى الأبد، لا حرب التفاوض الذي يراه مضيعة للوقت، كما أن السيطرة شبه الكاملة لقوات الاحتلال على القطاع واتخاذ قوى المقاومة هناك وضعية الدفاع الذي يكبد الاحتلال الخسائر وليس الدفاع الذي يمنعه من السيطرة وفقدان الكثير من القدرات الصاروخية، جميعها أصبحت بمثابة نقاط مضاعفة لبنيامين نتنياهو يمكنه ببساطة التسلح بها ضد كل الضغوطات وكل المبادرات من دون استثناء فماذا ينتظرنا؟

لكي نفهم كيف تفكر حكومة العدو وكيف يفكر من يدعمها، دعونا ندقق بما تسرب بالأمس من نتائج لاجتماعِ باريس لبحث إنهاء الحرب في غزة، حيث تحول الاجتماع بالكامل إلى تجاهل المطالب التي تريدها حماس، بما فيها عودة سكان القطاع ووقف العملية المحتملة في رفح مقابل إطلاق الرهائن، لأن الجميع بما فيهم الوسيط الفرنسي يعي تماماً بأنه لا يملك ضمانات لالتزام الكيان الصهيوني بأي مقررات لأنه كان ولايزال يريد أن يرى القطاع بلا فلسطينيين حتى لو ضحى بكل الرهائن، لذلك دعكم من كل هذه المبادرات والخطط التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، ما لم يكن هناك خطة شاملة لإنهاء الصراع بقرار أميركي فإن كل ما يجري هو مضيعة للوقت ولدماء الشهداء، لأن الأميركي فيما يبدو، لم يتخذ قراره بعد، هذا إن لم نقل وفق هذه المعطيات، بأنه لا يريد، لأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتكامل بشكل مريع مع رؤى نتنياهو، ولن تكون هناك أفضل من هذه الفرصة للخلاص من غزة!

كاتب سوري مقيم في فرنسا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock