مقالات وآراء

كازاخستان.. ضمانات إقليمية!

ما توفره كازاخستان لنجاح المفوضات بشأن سورية مرهون بشرط إقليمي أساسي، ومن الصعب قراءة دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهذه المفاوضات بمعزل عن جناح إقليمي كامل مرتبط بـ«معسكر السعودية»، فالمقترح الروسي لا يقوم بعملية إقصاء لكنه يسعى لاستبدال مرجعيات التفاوض، سواء من الناحية الدولية أم من خلال الدول التي احتكرت العملية السياسية، ومحاولة الاختراق الروسية ليست جديدة فهي بدأت منذ أول جولة للمفاوضات في جنيف، وهي اليوم تظهر بشكل أوضح وتتخذ منحى يضغط باتجاه حل سياسي بقواعد جديدة.

استطاعت موسكو سابقا كسر الاحتكار في مسألة المعارضة لمرتين متتاليتين: الأولى عندما دفعت منصتي موسكو والاستانة باتجاه المفاوضات، والثانية عبر نجاحها في إشراك أطراف داخلية مما اصطُلح على تسميته بـ«وفد حميميم»، وآخر المحاولات كانت في مؤتمر فيينا عندما وفرت لبعض أعضاء المنصات السابقة فرصة المشاركة في بعض الحوارات التي دارت، وهي بالتالي تعرف تماماً أن تغيير مكان التفاوض وعدم وجود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا هو في النهاية محطة، وقدرة على اكتساب أوراق إضافية وربما توسيع هامش حلفائها داخل المعارضة السورية، وتصريحات الرئيس بوتين بشأن جولة المفاوضات القادمة نجحت عملياً في إثارة ردود فعل داخل المعارضة السورية؛ يمكن وصفها بـ«الجيدة» لأنها على الأقل لم تصل لمرحلة مقاطعة مثل هذا النشاط.

النشاط الروسي الحالي يحاول استيفاء الشرط الإقليمي الأساسي؛ فهو يذهب نحو دولتين تشاركان بشكل أو بآخر في الحرب، فمن أنقرة وطهران تبدو الأزمة السورية ضمن مشهد مختلف لأنها تتعلق بمخاطر وجودية، على حين يظهر عبر العاصمة السعودية شكل من أشكال الاستئثار التي تصل لحد الثأر، فالفارق الأساسي بالنسبة لموسكو يظهر ضمن أمرين:
• الأول أن تركيا وطهران ممسكتان بالمفصل الميداني على حين تبدو السعودية ضمن بعد آخر يدير الأزمة ويمولها، ومهما كانت سطوة الرياض قوية فهي لا تملك الأرض بل تحاول اكتساب مرجعية معنوية عبر المال والفتاوى.
من خلال تجاوز السعودية يمكن لروسيا إيجاد توافق على الأقل في محاصرة النصرة وأحرار الشام، وفي كسر الجمود الذي يلف مسألة المجموعات المتطرفة التي تجد دائما سندا سعوديا بغطاء أميركي، وتبدو اللحظات الحالية حاسمة لعملية فصل حقيقي وجعل أوراق تركيا خارج الحسابات السعودية، وهذا الأمر اتضح في مدينة حلب، وعرقلة خروج ما تبقى من مسلحين ليس بعيدا عن عملية إقصاء الدور السعودي ولو بشكل مؤقت.

• الأمر الثاني هو الانسجام «الجغرافي» لتركيا وإيران مع الاستراتيجية الأوراسية لموسكو، فهذه الدول ليست فقط على تخوم هذا المشروع بل لها تأثير في عمقه، وروسيا التي تريد استقراراً ولو بحدوده الدنيا في محيطها تحتاج للدولتين من أجل «الاستيعاب الثقافي» على الأقل لجمهوريات آسيا الوسطى، وكازاخستان تشكل مفتاحا أساسيا يرضي الجانب التركي على الأقل، ويؤمن خطوط ثقة للدور التركي في عملية التسوية.

يبدو الخاسر الأكبر في الأزمة السورية هو «المشروع العربي» الذي أصبح خارج الهوامش الإقليمية، فالمصير القادم للمنطقة يظهر خارج النظام الإقليمي المنهار، ويتشابك مع عالم يتشكل وفق تحالفات ستفرض في النهاية علاقات شرق أوسطية مختلفة نوعيا عما عرفناه منذ منتصف القرن الماضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock