عربي ودولي

منْ سيُمسك بمفتاح «الباب»؟

هل مازالت أهداف المعركة المفترضة التي يخوضها ما يسمى «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ومعها حلفاؤها الإقليميون على الأراضي العراقية والسورية محاربة الإرهاب وإنهاء تنظيم «داعش»؟
في الأساس لم تتمكن قيادة هذا التحالف من إقناع أحد بأنها فعلاً جادة في إنجاز هذه المهمة والوصول فيها إلى نهايات حقيقية تدرأ حاضراً ومستقبلاً مخاطر انتشار هذا الإرهاب وتمدده، فكيف بالولايات المتحدة الأميركية اليوم وهي تحاول من جديد إعادة رسم وثبيت خريطة التقسيم التي كانت قد أطلقتها وزيرة خارجية واشنطن السابقة مادلين أولبرايت إثر غزو العراق مباشرة مع فرض تعديلات ديمغرافية على الكانتونات العرقية والطائفية المفترضة.
لذا يبدو التساؤل حول أهداف المعركة المذكورة ملحاً خصوصاً مع إعلان «التحالف الدولي» عن إطلاق معركة تحرير الموصل والرقة من قبضة «داعش» وفتح الأبواب لأطماع أردوغان وكانتون البرزاني كذلك لتسلل بعض المجموعات الانفصالية المدعومة أيضاً من النظام التركي إلى بعض المناطق التي يمكن أن تكمل تكوين شريط حدودي عازل على الحدود السورية التركية.
وإن كان لمعركة تحرير مدينة الموصل وخصوصاً لجهة امتدادها الجغرافي باتجاه الحدود السورية تداعيات على واقع «تنظيم داعش» في منطقة الجزيرة السورية كلها في حال تمكن مسلحي هذا التنظيم من التسلل إلى تلك المنطقة أو في حال منعهم من قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي على حدٍ سواء ، فإن تحرير مدينة الرقة ومحافظتها ستكون له تداعيات أعمق وأهم لكون «داعش» يعتبر هذه المدينة إمارته التي فرض على أهلها وساكنيها نموذجه الديني والاجتماعي والأخلاقي والسياسي وكذلك عاصمته، أي مركز سلطة قراره وإدارة عملياته الإرهابية في المحيط السوري كذلك اللبناني والعراقي بل أيضاً العالمي بعدما استطاع أن ينشئ فيها بنية تحتية بتقنيات وإمكانيات حديثة تمكنه من التواصل مع خلاياه وخصوصاً «النائمة» منها في مناطق انتشارها.
ولأن «داعش» بحاجة إلى تحصين مدينة الرقة وتدعيم وجوده فيها باعتبارها معركة فاصلة في الحرب التي يخوضها للحفاظ على وجوده أو عدمه ، فإنه مضطر إلى تضييق مساحة انتشار مسلحيه في المحافظات السورية الأخرى وإعادة تجميعهم في تلك المدينة وبالأخص بعد خسارته لمناطق كجرابلس ومنبج وغيرها التي شكلت له على مدى سنوات قليلة شريط حماية وإمداد إستراتيجي مهم بمحاذاة الحدود التركية.
بناء على ذلك ، قد تتقدم معركة تحرير مدينة الباب الواقعة غرب الرقة على ما عداها من الأولويات لأسباب عدة أبرزها : أولاً ، إن استعادة الجيش العربي السوري المتمركز على بعد حوالي عشرة كيلومترات من مدينة الباب ستؤدي بالتأكيد إلى خسارة «داعش» آخر معاقله الأساسية في هذا المحور وستدفعه لاستعجال التراجع لتحصين الرقة ومحيطها بدل استنزاف قواه هناك. ثانياً ، إن نظام أردوغان يحاول أن يدفع بالمجموعات المسلحة التابعة له (درع الفرات) للتقدم سريعاً باتجاه الباب التي تبعد نحو ثلاثين كيلومتراً عن الحدود التركية استباقاً للخطوة السورية المنتظرة لكنّ دون ذلك عقبتين أساسيتين هما : قلة عديد هذه المجموعات الذي لا يتجاوز الألف وخمسمئة مسلح، كذلك عدم قدرة النظام التركي على توفير غطاءٍ جوي لحركة المجموعات المذكورة بعد الإنذارات التحذيرية التي تلقاها من القيادتين السورية والروسية إثر مناورات تجريبية حاول تمريرها. ثالثاً ، قطع الطريق على واشنطن الراغبة في تمكين ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» وفصائل مسلحة أخرى من السيطرة على الباب التي تشكل مدىً حيوياً لمدينة حلب في حال تحريرها قريباً باعتبار أن الباب تشكل محطة عبور ضرورية للجيش العربي السوري وحلفائه إلى الرقة .
هو سباق للإمساك بمفتاح «الباب» كممر إلزامي لحصار «داعش» وإنهاء وجوده عملياً وليس عبر الدعاية السياسية.

محمد عبيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock