سوريةسياسة

الرئيس بشار الأسد في حوار خاص مع «الوطن»: معظم السوريين الذين هاجروا سيعودون بمختلف مستوياتهم الاقتصادية

الاقتصاد السوري
الوطن: سيادة الرئيس الملف الاقتصادي ربما يكون الأصعب، السؤال الأول كيف صمد الاقتصاد السوري؟ أنا أذكر أن عدة سفارات غربية في دمشق أرسلت تقارير إلى حكوماتها تقول فيها إن الاقتصاد السوري قادر على الصمود ستة أشهر فقط، اليوم ندخل السنة السادسة والاقتصاد السوري لا يزال صامداً، كيف صمد هذا الاقتصاد؟
كما قلت كان التوقع هو أشهراً ولو أردنا أن نكون متفائلين ونتحدث من خلال القواعد الاقتصادية المنطقية والعلمية فكانت التحليلات آنذاك تشير إلى أن الاقتصاد سيصمد سنتين أو سنتين ونصف السنة بحسب الإمكانات السورية.
ولكن هناك عدة عوامل ساهمت في صمود الاقتصاد، عوامل واقعية.. أولاً: هي إرادة الحياة لدى الشعب السوري بمختلف المهن الموجودة في سورية في القطاع العام والخاص كان هناك تصميم على استمرار دورة الحياة ولو بالحد الأدنى الممكن من خلال بقاء هذه المهن واستمرارها.. وهنا أؤكد أكثر على القطاع الخاص: من المهن الصغيرة إلى المتوسطة إلى بعض المعامل الكبيرة أو بعض الاستثمارات الكبيرة. والكثير قد يستغرب وأنا واحد من الذين استغربوا بأن هناك استثمارات بدأت قبل الحرب وتمّ تدشينها خلال الحرب، والبعض طلب استثماراً وبدأ به وأنجزه خلال الحرب. حتى إن هناك بعض الاستثمارات التي لا تدخل في إطار الاستثمار الاقتصادي – استثمار ثقافي غير رابح – افتُتح بعض منها في دمشق وحلب، فإذاً، هذا يؤكد إرادة الحياة القوية لدى الشعب السوري.
النقطة الثانية: هناك أسس بُني عليها الاقتصاد السوري عبر عقود منها القطاع العام. القطاع العام الذي كان له دور أساسي في صمود الاقتصاد رغم الثغرات الكبيرة فيه التي كنا نعرفها قبل هذه الحرب.
النقطة الثالثة: الدولة بعد عامين أو ثلاثة أعوام عندما بدا أن الحرب ستستمر ربما لسنوات طويلة انتقلت باتجاه حلول غير تقليدية، أي إن هناك حلولاً أو إجراءات لم تكن مقبولة في الأوضاع الطبيعية قبل الحرب، اضطرت الدولة أو رأت أنه من المفيد اتخاذ إجراءات غير تقليدية من أجل التعامل مع الاقتصاد غير التقليدي، وهذا ساعد على استمرار عجلة الاقتصاد أيضاً بالحد الأدنى. ولكن يُضاف إلى كلّ هذه العوامل الدعم الخارجي الذي أتانا من الأصدقاء وخاصة الإيراني والروسي الذي ساهم في تخفيف الأعباء عن هذا الاقتصاد. هذه العوامل هي التي أدت إلى استمراره.

الوطن: سيادة الرئيس، نحن في حالة اقتصاد حرب؟

طبعاً، نحن نعيش حالة حرب، والاقتصاد لدينا يعيش حالة حرب بكل معانيها.. بدءاً بالحصار، فنحن لا نستطيع أن نصدّر ولكننا نصدّر رغماً عن أنف بعض الدول بطرق مختلفة، ممنوع علينا أن نأتي بمواد أولية ضرورية لاستمرار الاقتصاد ومختلف مناحي الحياة في سورية، ومع ذلك نتمكن من جلبها، إضافة إلى ضرورة وجود العملة الصعبة والمتطلبات الأخرى.

إعادة الإعمار
الوطن: خلال سنوات الحرب خسر السوريون قرابة ستين إلى سبعين بالمئة من قدرتهم الشرائية نتيجة التضخم وتراجع سعر صرف الليرة، كان ذلك من الأسباب التي أدت إلى هجرة العديد من الكفاءات بحثاً عن فرص عمل كما ذكرتم في لقاء سابق، اليوم سيادة الرئيس ما الذي يمكن أن يعيد الاقتصاد السوري إلى عافيته وأن يعيد هذه الكفاءات إلى سورية لتعمل وتبني من جديد؟

أهم اقتصاد في أي دولة في العالم بعد الحرب هو إعادة الإعمار، وهذا اقتصاد ضخم جداً تعمل فيه مئات المهن، وهذا ينعكس بشكل غير مباشر على كل المهن الأخرى.. أي إن اقتصاد البلد يقلع بشكل أساسي على إعادة الإعمار أولاً، بأموال السوريين.. بدءاً من كل شخص يريد أن يصلح منزله أو بناءه أو معمله أو ورشته.. إلخ.. هذا الشيء ليس كلاماً نظرياً، بل يحصل الآن.. حمص القديمة نموذج ومعامل حلب وغيرها نموذج.. وما تسمعه من مختلف أطياف الشعب السوري أنه عندما تتحرر أي منطقة كانوا يعيشون أو يعملون فيها فإنهم سيعودون إليها ويعيدون إعمارها.
إذاً، إعادة الإعمار بدأت بالحد الأدنى نحن لم نصل إلى نهاية الحرب بعد.. هذا جانب. أما الجانب الآخر فهو إعادة الإعمار التي ستقوم بها الدولة كما في المناطق مثل خلف الرازي وغيرها.. هذه المناطق كلها ستقلع عملية إعادة الإعمار.. عندها، وخاصة عندما يكون هناك أمان، فالكثير من الأموال السورية ستعود، ومعظم السوريين الذين هاجروا سيعودون إلى سورية بمختلف مستوياتهم الاقتصادية، عودة هؤلاء إن كان من الجانب الاقتصادي أو من الجانب المهني أي بمعنى آخر عودة الكفاءات.. كل هذا سيساهم في عودة الاقتصاد السوري.. بالوقت نفسه نحن دولة لا نبدأ من الصفر.. الكفاءات موجودة لدينا والاقتصاد السوري لم يُبنَ على الأجانب.. الاقتصاد هو اقتصاد سوري بكل ما تعنيه الكلمة.. فهذه الكفاءات ستعود وسنقلع.. الخبرة موجودة في سورية.. لسنا بحاجة أي شيء إضافي لكي نقوم بإعادة إعمار بلدنا.. يضاف لهذا الكلام أن إعادة الإعمار هي قطاع اقتصادي جاذب جداً للاستثمارات الأجنبية وبكل تأكيد الدول الصديقة ستكون من أول المساهمين في هذا المجال عبر شركاتها وعبر القروض.. فعندما نصل إلى هذه المرحلة لا يوجد أي مشكلة في إعادة إعمار الاقتصاد السوري.

الوطن: سيادة الرئيس، موضوع إعادة الإعمار مكلف جداً.. هل ستخصص حصراً الدول الصديقة بالعقود الكبيرة؟

لا أعتقد أن الشعب السوري يقبل أن تأتي شركات من دول معادية لتقوم بإعادة الإعمار وتحقق مكاسب من الحرب التي أشعلتها، منطقياً هذا غير ممكن، ولكن أعتقد أن الكثير من الدول التي ناصبتنا العداء – وهي تفكر الآن بهذا الموضوع – ستبحث عن شركات في دول صديقة لتكون واجهة لها في إعادة الإعمار في سورية.

الفساد
الوطن: في ملف الفساد، الفساد كان موجوداً في سورية مثل كل الدول العربية بالسابق لكن بحدود.. اليوم أصبح علنياً والمواطن يلمسه كل يوم.. ألم تسهم قضية عدم المحاسبة الجدية في أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم؟ وهل تشجع الفاسدون من خلال قربهم من مسؤول هنا ومسؤول هناك من نشر فسادهم ونشر هذه الثقافة في سورية؟

في كل الظروف الفاسد يعتمد على قربه من مسؤول فاسد لكي يتمكن من ممارسة الفساد. الفساد كالجرثوم، والجراثيم موجودة في الحياة وفي جسم الإنسان لكن مناعة الإنسان تمنعها من تثبيت المرض إلا أنه عندما تضعف مناعة الجسم يصبح الجرثوم أقوى. الفساد نفس الشيء.. عندما يكون هناك حالة حرب تساهم فيها مجموعات من السوريين الفاسدين والمرتزقة والخونة فهي تعني حالة ضعف في مناعة الدولة والمجتمع.. عندها يصبح هذا الجرثوم الذي هو الفساد أقوى وأكثر انتشاراً.. ولكن هناك عامل آخر مرتبط بالمناعة ألا وهو الأخلاق.. فعندما ينتشر الفساد ويظهر بهذه الطريقة فهذا يعني أنه موجود قبل الحرب ولكنه ظهر بقوة عندما ضعفت مناعة المجتمع والدولة، فإذاً لدينا مشكلة يجب أن نعالجها بشكل صريح مع بعضنا البعض كسوريين.. المشكلة لها علاقة بالتربية والأخلاق وهذا موضوع أساسي.
الآن نأتي إلى الدولة.. طبعاً، الدولة في مرحلة الحرب ليست كالدولة في مرحلة السلم.. هي ليست الدولة التي تسيطر على التفاصيل بنفس الطريقة وبنفس الفاعلية، هذا شيء بديهي.. لكن هل هذا يعني أن الفساد يجب أن يستمر من دون محاسبة.. لا، على الإطلاق.. القانون يبقى قانوناً وصرامة الدولة تبقى موجودة.. المشكلة هنا تأتي في كيفية الكشف عن الحالة الفاسدة.. أي مشكلة الفساد ليست في عدم القدرة على محاسبته وإنما في عدم القدرة على اكتشافه خصوصاً في مثل هذا الظرف. عدد من الحالات التي تعاملنا معها، كانت من خلال مقالات على الانترنت أو ما ينشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي. طبعاً، قسم كبير من الأشياء التي تُطرح على هذه المواقع غير صحيح ولكن البعض منه كان صحيحاً وتمت معالجة حالة الفساد.. فإذا أردنا في هذه الظروف الصعبة أن نكافح الفساد فلابد من أن نضاعف الجهود على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع من أجل عملية الكشف لأنه في ظروف الحرب مؤسسات الدولة لا تكون في كل مكان ولا تستطيع أن تتابع كل قضية.. أولويات الدولة الآن تختلف.. أولاً، مكافحة الإرهاب.. ثانياً، توفير الحد الأدنى من سبل العيش للمواطنين السوريين.. هذه الأولويات، لا تعود نفس الأولويات الموجودة في حالات السلم.. فإذا تعاونا كلنا في الكشف عن حالات الفساد أعتقد بأننا نستطيع أن نلجمه إلى أن يأتي يوم نقضي فيه على الإرهابيين وتعود الدولة السورية كما كانت وأقوى.

القوات الشعبية
الوطن: سيادة الرئيس، تتمة لموضوع الفساد أصل إلى القوات المقاتلة على الأرض في الحرب على الإرهاب فهناك قوات رديفة وقوات شاركت مع الجيش السوري في عدة مناطق.. لكن هناك ظاهرة سميت بالتعفيش قام بها أفراد من هذه القوات أساءت إلى الجيش برمته، كيف تنظرون إلى مشاركة كل هذه القوات مع الجيش السوري وإلى هذه التجربة وسلبياتها وإيجابياتها؟

تجربة القوات الشعبية هي ليست خياراً للدولة ولكن هي تجربة تفرضها كل الحروب الوطنية في أي دولة من دول العالم.. في معظم الحروب الوطنية المشابهة كان هناك دائماً قوات شعبية تقاتل إلى جانب الجيش وهي حالة ضرورية وطبيعية وحالة اندفاعية عاطفية لكثير من الشباب الذين يريدون الدفاع عن بلادهم بطرق مختلفة، أحياناً تأخذ هذه الحالة الطريقة المؤسساتية أي الدخول إلى القوات المسلحة الجيش والشرطة، وأحياناً تأخذ الشكل غير المؤسساتي كالقوات الشعبية التي تنشأ فقط خلال هذه الحالة الطارئة وهي الحرب.
هذه التجربة لها إيجابيات ولها سلبيات، هل كان لها إيجابيات في حالتنا؟ طبعاً كان لها إيجابيات كثيرة وحققت إنجازات عسكرية على الأرض في دعم الجيش سواء في أماكن كان الجيش موجوداً فيها أم في أخرى لم يكن موجوداً، وكانت تخوض هي المعارك كالقوات المسلحة وحققت فعالية في الدفاع عن المناطق أو في تحرير مناطق أخرى من الإرهابيين.
هل هناك سلبيات؟ طبعاً، لكن السلبيات دائماً ترتبط، كالفساد، بالحالة الفردية، أي إن الفاسد فاسد أينما ذهب سواء كان في مؤسسة أم لم يكن، الفساد الذي نتحدث عنه ليس مرتبطاً تماماً بهذه الحالة، لا نستطيع أن نعمّم ونقول إن هذه التجربة كانت فاسدة وهناك تجربة أخرى غير فاسدة، لا، الفساد في كل الحالات خلال هذه الحرب كان مرتبطاً بالأشخاص. طبعاً أغلب حالات الفساد التي تتحدث عنها كانت تحصل في الأنساق الأولى في المعارك، وفي الأنساق الأولى لا يوجد سوى المقاتل والمشرف عليه سواء كان ضابطاً أو في بعض الحالات كان مدنياً. هنا كل الأمور تعتمد على ضمير الأشخاص الموجودين. لا يوجد رقيب… لا توجد شرطة… لا توجد مؤسسات رقابية. فإذا كان هذا الشخص فاسداً فهو يسيء للمواطن وإذا كان شخصاً ذا ضمير فهو يقوم بالعكس. لكي نكون شفافين، فإن أغلب الحالات كانت هي الحالات الجيدة وليس العكس، ولكن من الطبيعي أن يتم الحديث دائماً عن حالات الفساد وهذا أمر بديهي. هناك حالات ضُبطت على الرغم من صعوبة ضبطها في ظروف المعركة.. حيث كانت تُضبط في الخطوط الخلفية عندما يتم القبض على شخص قام بالإساءة أو بالسرقة بشكل من الأشكال… هناك حالات تم إلقاء القبض عليها وأنا أعرفها بالتفصيل ولكن هناك حالات أخرى لم تُضبط.. مع ذلك هناك توجيهات يومية للضباط وللمعنيين بضرورة إنهاء هذه الحالة وهناك إجراءات اتُّخذت وكانت فاعلة تتمثل في أن القوات المسلحة تقوم بطلب الفعاليات الموجودة في المنطقة التي سيتم الدخول إليها من أجل إرسال وفد أو مجموعات من هذه الفعاليات لتدخل مع الجيش لتثبيت واقع ما تم تخريبه من الإرهابيين وبالتالي لا تتهم هذه القوات زوراً بالإساءة أو بالسرقة, هذه الإجراءات تمت وكانت ناجحة، وهناك إجراءات أخرى تتم لمنع أي إساءة قد تحصل، كما أن المحاسبة قائمة حسب الإمكانات المتوافرة في كل مكان.

تطوير أنواع الخطابات في سورية
الوطن: سيدي الرئيس، في موضوع حزب البعث، أريد أن أسأل في بداية الأزمة أو الحرب كان هناك فكرة عن تطوير الخطاب الحزبي بحيث يكون أكثر انسجاماً أو أكثر قُرباً من المنتسبين.. رأينا فجوة في وقت ما بين القيادة والشارع. اليوم، سيادة الرئيس، وبعد التطورات الأخيرة والدستور الجديد، أين هذا التطوير في الخطاب الحزبي؟ هل بدأ، أو يُخطّط له؟

صحيح كنّا نركّز عليه قبل الحرب بشكل كبير باعتبار أن الحزب كان هو القائد للدولة والمجتمع بحسب الدستور، وكنا نطور باقي الخطابات، الخطاب السياسي وغيره. خلال الحرب رأينا ضرورة تطوير كل أنواع الخطابات في كل القطاعات.. الخطاب السياسي تغيّر، فلا يمكن أن يستمر الخطاب السياسي في ظروف الحرب بشكل مشابه لما كان عليه قبل الحرب، وهذا الشيء تم إلى حدّ كبير. الخطاب التربوي من خلال تطوير المناهج وهذا ما نقوم به الآن، فلم تعد المناهج متوافقة مع ما وصلنا إليه. الخطاب الديني الآن تطور بشكل كبير وما زلنا مستمرين بتطويره. الخطاب الإعلامي يجب أن يتطور، ولكن الخطاب الحزبي له خصوصية تختلف عن باقي الخطابات، خاصةً في حزب البعث، مرتبط بعقيدة الحزب. كان المقصود في ذلك الوقت بالخطاب الحزبي هو ما يسمى بالمنطلقات النظرية لأنها هي التي تشكل عقيدة الحزب. المنطلقات النظرية التي نشأت في عقود سابقة لم تكن تتماشى مع مرحلة ما قبل الحرب فكيف الآن؟ وكنّا قد أعددنا دراسة كاملة وأنهيناها، ووصلنا إلى مرحلة طرحها على القواعد الحزبية كي تأخذ وقتها من النقاش قبل أن يتم إقرارها، وأتت الحرب. الآن، لم تعد هذه أولوية.. الأولوية أصبحت للممارسة.. لم نلغ موضوع تطوير المنطلقات النظرية ولكن تأثير هذا الأمر متوسط وبعيد، في حين أصبحت الأولوية للممارسة الحزبية من خلال: اختيار المسؤول الجيد، مكافحة الفساد، التواصل مع الشرائح الاجتماعية المختلفة داخل الحزب وخارجه في المدن والقرى والأحياء كي يلعب الحزب دوره الوطني في الأمور اليومية التي يعيشها المواطن من خلال دور الحزب وعلاقته بالمسؤولين البعثيين الموجودين في الدولة واختيارهم الصحيح، بالإضافة إلى الاختيار الصحيح لممثليه إلى مجلس الشعب، وإلى الهيئات المختلفة كالإدارة المحلية وغيرها، ودوره في تطوير النقابات والمنظمات الشعبية باعتبار الحزب له أغلبية فيها أيضاً. هذه الأمور هي التي يريد أن يلمسها المواطن فأعطيناها الأولوية.. وكان هناك تبديل في القيادة القطرية منذ أكثر من ثلاثة أعوام بقليل والمفترض بأن هذا التبديل انعكس بشكل أو بآخر على هذه المناحي التي ذكرتها، ليس بالضرورة بشكل كبير، وبالطبع هذا لا يلغي ضرورة أن نغيّر الخطاب الحزبي قريباً.

الإعلام والتطور
الوطن: في موضوع الإعلام، نحن نتعرض إلى شكاوى كثيرة من الناس… يعني أن الناس تعتبر أن الإعلام السوري لم يكن قادراً على مواكبة كل التطورات… أحدث نقلة نوعية لكنه لم يكن كما يُراد منه أن يكون وأغلبية الناس تتابع للأسف قنوات ربما غير سورية. ما الذي يمنع اليوم أن يكون لسورية منبر إعلامي وطني قوي يمكن أن يتابعه كل السوريين؟

لا شيء يمنع سوى إرادتنا ورؤيتنا كسوريين، والدليل على أن الإمكانية متوافرة هو ما حققناه خلال المراحل الأولى من الحرب عندما كان هناك تشويه وتشويش كبيرين على مستوى العالم وعلى المستوى الإقليمي أو على المستوى المحلي، وقد لعب الإعلام الإلكتروني دوراً كبيراً في ذلك الوقت مع أنه لم يكن إعلاماً بالمعنى التقليدي، كان… لنقل وسائل التواصل الاجتماعي… وفي بداية الأزمة في الوقت الذي كان الكل يحاول أن يقيّد في دول أخرى هذه الوسائل، قمنا نحن بفتحها بشكل كامل وحققت نتائج جيدة. فإذاً، الآن لو أتينا إلى الإعلام السوري بشكل عام، وأنا أستطيع أن أتحدث أكثر عن الإعلام الرسمي لكوني مسؤول في الدولة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الإعلام لا يمكن أن يكون كالإعلام الخاص. فالإعلام الخاص يبقى أكثر حرية في كل العالم ومن الطبيعي أن يتبنى الإعلام الرسمي وجهة نظر الدولة أيضاً كما كل دول العالم، ولكن أستطيع أن أقول إن هناك جوانب موضوعية منعت الإعلام من التطوير كالحصار المفروض عليه وإنزاله عن الأقمار الاصطناعية وغيرها، وهناك عوامل غير موضوعية لها علاقة بالعقلية الموجودة. فالإعلام هو عملية تطوّر طويلة، والعقلية الموجودة داخل المؤسسات الإعلامية والمعنية بفكرة تطوير الخطاب الإعلامي السوري لم تتمكن من التأقلم مع هذه الحالة، هي تمكنتْ من تحقيق نقلة، ولكنها لم تكن كافية؛ فالحرب كانت بحاجة إلى نقلة أكبر، أضف إلى ذلك طبيعة البيروقراطية التي يرتبط بها الإعلام الرسمي والتي تسمح أحياناً لكثير من المؤسسات الأخرى غير الإعلامية، بالتدخل في عمل الإعلام وبالتالي تعرقل أكثر أي عملية تطوير. ما نقوم به الآن – لنقل – هو عملية تنظيف للمؤسسة الإعلامية.. وهذه من مهام الحكومة الجديدة في المجال الإعلامي وتحديداً وزارة الإعلام، هي عملية تنظيف المؤسسات الإعلامية من الفساد ومن الترهل. لأنه ببقاء هاتين الحالتين لا يمكن أن يتطور الإعلام، فالخطاب الإعلامي لا يتطور فقط بوجود حالة فكرية، هو بحاجة لحالة إدارية، فهذه هي الخطوة الأولى، وبدأت وزارة الإعلام بالقيام بهذه الخطوات، بعدها لا بد من وضع تصور إداري لهذه المؤسسات، عندها سيكون تطوير الخطاب الإعلامي هو النتيجة الطبيعية التي سنراها بالنسبة للإعلام الرسمي، أما أنتم، الإعلام غير الرسمي فلكم الحرية، وقطعتم خطوات كبيرة وقمتم بدور مهم أيضاً في هذه الحرب.

الصحافة الخاصة
الوطن: احتفلت سيدي الرئيس «الوطن» منذ شهر، بعشر سنوات على صدورها، كيف تقيمون تجربة الصحف الخاصة؟

هي ضرورية وإجبارية في أي دولة تريد أن تتطور إعلامياً، لا يمكن أن تتطور فقط في إعلام عام، وهذا يشبه الاقتصاد.. لا يمكن أن يبنى الاقتصاد السوري فقط على القطاع العام، هو بحاجة للقطاعين المشترك والخاص والشيء ذاته ينطبق على الإعلام.. لكن تقييم التجربة في جزء منها يعتمد أيضاً على تقبلنا نحن أحياناً لهذا الإعلام كمجتمع وكدولة، فدخول الإعلام الخاص بعد عقود طويلة وأجيال كاملة لم تعرف سوى الإعلام العام أمر ليس بالسهل، فتقبل الفكر الجديد وما قد يحمله من نقد ليس من عادات المجتمعات الشرقية والعربية بشكل خاص، وبالتالي فإن الإعلام الخاص سيواجه عقبات أيضاً قد تختلف عن القطاع العام، ولكنها تبقى عقبات.. مع ذلك أقول إن تجربة القطاع الخاص وتجربة «الوطن» تحديداً هي تجربة مهمة وسليمة على الرغم من عقباتها، ويُبنى عليها لتوسيع دائرة القطاع الخاص الإعلامي في سورية.

التواصل مع المجتمع
الوطن: سيدي الرئيس، منذ بداية الحرب كل من زاركم، وأعني منذ اليوم الأول، استمد منكم شعور النصر ولو بعد حين، حتى في أصعب الأوقات كنتم على الدوام متفائلين، من أين ولد لديكم هذا الشعور وهذه الثقة، وأنتم تتعرضون لعدوان من كبريات دول العالم؟

أولاً: أنا على تواصل مع المجتمع السوري بكل شرائحه، دائماً ومنذ زمن طويل، وقبل أن أكون رئيساً وقبل الحرب وبعدها، لم يتوقف هذا التواصل، فأنا اعتدت على التواصل مع الناس، وهذا يعطيك صورة مذهلة فعلاً من الصمود، من التمسك بالوطن، من الرغبة بالحياة واستمراريتها، يعطيك حالة تشكل وقاية لك من التأثر بأي حالة إحباط، لذلك فعلاً أنا لم أصل في كل مراحل الأزمة ولا للحظة لحالة الإحباط، والفضل في ذلك يعود للشعب السوري بمختلف شرائحه، فعندما نذكر الاقتصاد والرغبة في إدارة عجلته، هذا جزء من الصمود، عندما تتحدث عن موظف يذهب إلى عمله، ومدرّس يذهب إلى المدرسة، وعامل كهرباء يستشهد أثناء تأديته لعمله، هذه حالات صمود عظيمة.. من جانب آخر أنا كنت أُميز بدقة فعلاً منذ الأيام الأولى ما بين الحملة الوهمية والواقع، كثيرون ربما لم يتمكنوا من التمييز، وأثّر الواقع الافتراضي الذي خلقه الإعلام الأجنبي والعربي العميل، أثّر على رؤية كثير من السوريين، أنا شخصياً قمت منذ البداية بالتعامل مع الواقع فقط، ولم أتأثر بهذه الحالة. نقطة ثالثة وهي أنك عندما تقوم بالدفاع عن وطنك لا تملك خياراً آخر، إما النصر وإما انتهاء الوطن، فليس هناك خيار بين نصر وهزيمة، القضية ليست شخصية. بالنسبة للآخرين قد يعني الأمر هزيمة رئيس أو عدمه، هزيمة حكومة أو عدمها لكن بالنسبة لي، القضية ليست قضية هزيمة بل سقوط وطن، تدمير وطن، تفتت وطن… كل هذه الأسباب تدفعك فقط باتجاه واحد هو أن تشعر دائماً أنك ستذهب باتجاه النصر.

المسؤول والواقع
الوطن: قبل الأزمة كنتم باستمرار تلتقون شخصيات من الشعب السوري من مختلف الفئات، هل ما زلتم تفعلون ذلك اليوم؟

طبعاً أكثر من قبل، لأنني بحاجة لهذا الموضوع أكثر من قبل، أنا مبدئي الأساسي عندما أتيت إلى الرئاسة هو أن المسؤول يجب ألا يكون رهينة للتقارير، لأن قرارته تصبح رهينة لهذه التقارير، يجب أن يتواصل مع الواقع، صحيح أن المواطن على المستوى الفردي ليس بالضرورة أن يكون لديه المعلومات والمعطيات الكافية، وليس بالضرورة أن يكون لديه الرؤية الشاملة، فهو يرى زوايا يعيش فيها داخل مجتمعه، ولكن عندما ترى مختلف الشرائح من المواطنين فتتشكل لديك الصورة الحقيقية البانورامية عن الواقع الذي يجب أن تتعامل معه، لذلك في الحرب أنت بحاجة أكثر لهذه اللقاءات من قبل الحرب.

الوطن: هل غيّرت الحرب بشار الأسد؟

بالمعنى الشخصي لم أتغير، بالعكس أعتقد بأنه كلما أتت الظروف لتبعدك عن الحياة الطبيعية، يجب أن تسعى بقدر المستطاع لكي تبقى أقرب إلى الحياة التي تعيشها على المستوى الشخصي وعلى مستوى تعاملك مع الناس، ربما على المستوى الشخصي أنا أشعر نفسي أقرب إلى الناس، وأقرب إلى فهمهم أكثر بسبب ظروف الحرب. أما على المستوى الرسمي، كرئيس أو كمسؤول، هناك تغير طفيف ولكن أيضاً ليس جذرياً على الرغم من جذرية الحرب لأن أساس هذه الحرب هو التآمر على سورية وإخضاعها وعمالة بعض العرب والنفاق الغربي، كل ذلك لم يتبدل، فالظروف التي عشناها منذ الانتفاضة الفلسطينية، هي نفسها حتى الآن وتتطور، بدأنا بالانتفاضة ثم أحداث 11 أيلول، والهجوم على أفغانستان، واحتلال العراق، واغتيال الحريري وتداعياته، وحتى فترة ما يسمونها شهر العسل مابين 2008 و2011 كانت مليئة بالنفاق والضغوط.. لم يتغير شيء.. فقط حجم الهجمة وأدواتها أصبحت مختلفة، فأنا لم أتغير على المستوى الشخصي والمستوى الرسمي إلا بالحدود الدنيا.

البطولات والعمالة
الوطن: سيادة الرئيس معروف عنكم أنكم قريبون جداً من الشعب السوري كنتم تخرجون وتلتقون بالمواطنين في أماكن عامة هل فاجأكم الشعب السوري خلال هذه الحرب سلباً أم إيجاباً؟

الشعب السوري وطني ولديه حس استقلالية وحس عالٍ بالكرامة، هذا الشيء كان موجوداً دائماً ونراه موجوداً اليوم، ولكن ما فاجأنا – أعتقد كلنا كسوريين – أمران أحدهما سلبي والآخر إيجابي: نتفاجأ بحجم العمالة للخارج ومستواها.. هي نسبة قليلة ولكنها نسبة أكثر مما كان متوقعاً وهذه حقيقة، وكنا نسأل هل كانت العمالة مختبئة أم إن أساسها الجهل الذي يتبع للتطرف. بالمقابل هناك جانب إيجابي فوجئنا به هو مستوى البطولة، فنحن جميعاً كنا نقرأ قصصاً عن التاريخ العربي ببطولاته، ولكن معظم هذه البطولات كانت بطولات فردية.. ما نراه في حالتنا اليوم من بطولات لدى الشهداء، لدى المقاتلين، لدى الجرحى، لدى عائلاتهم، هي بطولات جماعية وليست فردية وهذا حقيقةً شيء مفاجئ وليس فيه أي مبالغة، على العكس تماماً، لو أردنا أن نبتكر أو أن نخترع قصة عن البطولات السورية ونبالغ بها لما وصلنا لهذا المستوى الذي رأيناه اليوم. هذا حقيقةً شيء مفاجئ ويدعو للفخر.

أجوبة صريحة
الوطن: سيدي الرئيس أختم، ونحن معتادون على صراحتكم.. السيدة أسماء كشفت في لقاء صحفي مع التلفزيون الروسي أنها تلقت عروضاً لمغادرة سورية؟ من قدم هذه العروض سيدي الرئيس؟ وإلى أين؟

في بداية الأزمة كانت الدولتان المعنيتان بشكل معلن بالأزمة السورية في ذلك الوقت هما قطر وتركيا، وهما اللتان قدمتا هذا العرض بشكل مباشر لها، طبعاً قد يخرجون بعد هذا الكلام لينفوا ما ذكرته، لكن هذه حقيقة وواقع، وأتت طبعاً عروض مختلفة بعدها بسنوات عدة وبشكل غير مباشر من خلال الأميركيين، بأن يعلن الرئيس عدم ترشيح نفسه للانتخابات القادمة مقابل تأمين كل شيء له أينما ذهب مع حصانة من أي ملاحقة قضائية وليأت معه من يريد من فريقه ومؤيديه.. وغيره من هذا الكلام، طبعاً عروض عدة أتت عن طريق أقنية مختلفة بهذا الاتجاه ولكن بشكل أساسي من خلال الأميركيين باعتبارهم الضامن الأكبر بالنسبة للآخرين، ولكن ليس لها قيمة.

الوطن: هل زرتم روسيا غير تلك المرة التي أعلن عنها؟

لا، على الإطلاق، هي كانت الزيارة الوحيدة.

الوطن: هل قمتم بزيارات خارج سورية خلال السنوات الست الماضية؟

لا نهائياً، فقط زيارة روسيا.

الوطن: هل هناك اتصالات غير معلنة بينكم وبين زعماء عرب أو أجانب؟

نعم، دائماً عن طريق أقنية وهم يتبعون هذه الطريقة، خاصة الأجانب منهم، لأنه في حال تسرب خبر اللقاء أو التواصل يمكنهم النفي والقول إن هذه قناة خاصة وليست رسمية. عملياً حتى من زارنا من وفود أجنبية بما فيها الوفد البرلماني الفرنسي الأول الذي أثار ضجة كبرى كان معه شخص من المخابرات في السفارة الفرنسية في بيروت وشخص آخر من وزارة الدفاع ولكن السلطات الفرنسية، قالت: لا علاقة لنا بزيارة هذا الوفد.. هم يحاولون أن يبرؤوا أنفسهم من أي تواصل لكن هم يفعلون ذلك على الأقل للعب دور سياسي.

الوطن: هل كان هناك وساطة روسية مع السعودية؟

نعم، عندما زار اللواء علي مملوك السعودية منذ نحو عام ونصف العام، كان أحد المسؤولين الروس موجوداً، نعم هذا صحيح.

الوطن: لماذا فشلت؟

لأن السعودية لديها هدف واحد أن تقوم سورية بالوقوف ضد إيران ولا نعرف لماذا يجب علينا أن نقف ضد إيران لكي ترضى السعودية أو لكي يرضى عقلهم المتخلف أو الأزور.

الوطن: شكراً سيادة الرئيس على هذا اللقاء..

أهلاً وسهلاً وتحياتي إلى كل العاملين في الصحيفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock