اقتصاد

حتى التخفيضات منحازة للأغنياء!

تشكل فترات التخفيضات التي تجتاح الأسواق، وخاصة الألبسة في نهاية موسمي الشتاء والصيف بشكل أساسي، حالة اقتصادية مختلفاً عليها، فبينما ينظر إليها البعض بأنها فرصة مهمة للمواطنين للشراء بأسعار أقل من

التي كانت سائدة خلال الموسم، يراها البعض فرصة مهمة لأصحاب الدخول المرتفعة حصراً، إذ إن أصحاب الدخل المحدود لا يمكنهم الاستفادة من التخفيضات كما يجب لأنه في نهاية الموسم الشتوي مثلاً يصعب على ذوي الدخل المحدود شراء الألبسة الشتوية وتأجيل استخدامها للشتاء القادم، إذ إن أولوية الإنفاق على الألبسة لهم هو تأمين ألبسة الموسم الصيفي الذي يلي الشتوي.
يرى الدكتور هيثم عيسى (أستاذ جامعي بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق) أن لفترة أو موسم التخفيضات أهمية اقتصادية كبيرة لطرفي عملية التجارة، البائع والمستهلك، ففيما يتعلق بالبائع، تمثل فترة التخفيضات المرحلة الزمنية التي يقوم خلالها بتحصيل رأس المال الذي استثمره في السلعة بهامش ربح أقل من الهامش الذي يحققه في الفترة العادية، خارج فترة التخفيضات، وقد يصل هذا الهامش إلى الصفر إذا كانت التخفيضات حقيقية والمنافسة في السوق قوية.
لتحليل هذه الجزئية يجب النظر إلى الربح من منظور ديناميكي لفترة زمنية طويلة وبدقة أكثر، ففي فترة الموسم (مثلاً الصيف بالنسبة للألبسة الصيفية) يكون الطلب على السلعة مرتفعاً ويبيع التاجر بسعر مرتفع ويحقق ربحاً عالياً، ومع اقتراب فترة الموسم من نهايتها (اقتراب فصل الخريف بالنسبة للألبسة الصيفية) يتراجع الطلب على الألبسة الصيفية، لذلك يبدأ البائع بتخفيض سعر المبيع (تبدأ التخفيضات) فيتقلص مستوى ربحه ويستمر ذلك خلال كامل فترة التخفيضات.
والمحصلة، إذا أخذنا متوسط الربح خلال فترة الموسم وكذلك فترة التخفيضات نجد أن التاجر بالمتوسط يحصل على ربح جيد ولا يخسر، هناك أهمية أخرى للتاجر يجنيها من فترة التخفيضات وهي استعادة رأسماله المُجسّد في السلع، وهو عندما يستعيد هذا المال سيقوم باستثماره وتحقيق ربح جديد.
يفترض العيسى أن محل ألبسة لديه ألبسة صيفية بقيمة مليون ليرة سورية مثلاً، ولم يبعها، واقترب فصل الخريف حيث يقل الطلب على هذه الألبسة تدريجياً إلى أن ينعدم، وهنا أمام التاجر خياران، الأول بيع الألبسة بسعر مُخفض ولنقل من دون ربح فيحصل على مليون ليرة، أو يُبقيها لديه ويخزنها للموسم المقبل، وفي حال اعتمد الخيار الأول فسيكون لديه مليون ليرة يُتاجر بها بالألبسة الشتوية ويربح، وبالتأكيد سيحصل مقابلها على مبلغ يفوق المليون (أصل المبلغ مضافاً إليه الربح).
ويرى عيسى أن الخيار الثاني بتخزين الألبسة بدلاً من بيعها بسعر مُخفّض؛ سيكون مكلفاً للتاجر، فهو سيخسر الربح الذي كان سيحصل عليه، وأيضاً سيتحمّل تكاليف حزم الألبسة ونقلها إلى المستودع وكذلك تكلفة التخزين لعدة أشهر مع احتمال تلف بعضها لأسباب مختلفة، وفي الموسم المقبل قد لا تُباع بسعر جيد بسبب تغيّر أذواق المستهلكين وتفضيلاتهم (الموضة).

المستهلك.. مستفيد أم ضحية؟

ويفترض بحسب عيسى أن يستفيد المستهلك من فترة التخفيضات من خلال شراء السلعة بسعر مُخفّض وهكذا تصبح وحدة النقد التي يملكها ذات قوة شرائية أكبر، ويقدم مثالا على ذلك، إذا كان شخص يمتلك مبلغ 10 آلاف ليرة سورية وسعر القميص في الموسم 5 آلاف يستطيع فعلياً شراء قميصين، أما في فترة التخفيضات فإنه إذا تمّ تخفيض سعر القميص بنسبة 50 بالمئة فسيصبح سعره 2500 ل.س وعندها يستطيع الفرد الذي يمتلك 10 آلاف ليرة سورية شراء 4 قمصان، إذاً بالمبلغ نفسه يشتري الفرد أكبر عدد من القطع وبالتالي، تكون التخفيضات لمصلحة المستهلك، وعندها ينظر إلى عملية التخفيضات على أنها حقيقية ويستفيد منها طرفا السوق (باعة ومشترون).

خداع المستهلك
يؤكد الدكتور عيسى حصول حالات تلاعب وخداع من بعض الباعة ما يؤدي إلى فقدان التخفيضات لأهميتها، ومن أمثلة هذا التلاعب لجوء بعض الباعة إلى رفع سعر السلعة قبل فترة التخفيض عن سعرها في فترة الموسم ثم تخفيض سعرها بنسبة ما في فترة التخفيضات، ففي هذه الحالة يتم تخفيض السعر فعلاً لكن بنسبة أقل من النسبة المُعلنة وهذا خداع واضح.
وهناك نوع آخر من التلاعب يراه العيسى، يتمثل بأن التلاعب يتم من خلال عرض سلع تحمل بعض العيوب والسلع التي كانت تُعرض على واجهة المحل وبيعها في فترة التخفيضات كأنها سلع عادية وهنا في الحالتين تصبح التخفيضات فخاً ينصبه الباعة للمستهلكين.

الرقابة وسطوة للبائع
يدافع الدكتور عيسى عن وجود الرقابة رغم اعترافه في النهاية بسطوة البائع على السوق، إذ يقول: «عملياً، تتم الرقابة على الأسواق بالدرجة الأولى من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إضافة لذلك توجد بعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية مثل جمعية حماية المستهلك، والهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار، وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تصرح على امتداد سنوات طويلة سابقة بوجود نقص حاد في كوادرها البشرية المكلفة الرقابة على الأسواق ومتابعتها، أما الجهتان الثانية والثالثة فلم يكن لهما دور مؤثر أيضاً في السوق، وبالمحصلة، الأسواق عموماً تعمل وفق إرادة القوي فيها أي البائع».

ويرى أن المستهلكين يستفيدون من فترات التخفيضات بنسب مختلفة، إذ كلما كان المستهلك يمتلك دخلاً أعلى يستفيد أكثر، والسبب في ذلك أن معظم التخفيضات تتم تسلسلياً، أي تبدأ بنسبة منخفضة وتزداد هذه النسبة تدريجياً، هذا الأمر يمنح المستهلك الأعلى دخلاً قدرة أكبر على الشراء، مثلاً عندما تكون نسبة التخفيض40 بالمئة فيحصل على السلعة قبل نفادها في المقابل يوجد مستهلك آخر لا يستطيع الشراء عند نسبة التخفيض هذه وينتظر حتى ترتفع هذه النسبة، لكن لا ضمانة أنه عندما تزداد النسبة إلى 60 بالمئة مثلاً أن هذا المستهلك الثاني سيجد السلع، ومن الطبيعي أن تنتهي فترة التخفيضات عند نسب كبيرة جداً 70 بالمئة وتبقى فئة من المستهلكين لا تستطيع الشراء نهائياً بسبب تدني مستويات دخولها.

أسعار عالية

يرى عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق منار الجلاد أن المستفيد الفعلي من مواسم التخفيضات يفترض أن يكون المستهلك، لكن عملياً، ليس لديه قوة شرائية تمكنه من الاستفادة من التخفيضات التي تعلن عنها المحال التجارية لأن قيمة القطعة أو سعرها للأسف لا تضع المنتج في متناوله، وهناك الكثير من الناس لا يحصلون على حاجاتهم الأساسية، مبيناً أن التاجر يلجأ لهذا الأسلوب ويقوم بكسر الأسعار للتخلص من البضائع القديمة والسيئة ومنها المقاسات والألوان، بهدف شراء موديلات جديدة وملابس جديدة لطرحها بالأسواق.
ويؤكد الجلاد أن التاجر هو من يقوم برفع الأسعار، لأن المنتج له تكلفة ترتبط بها عدة عوامل، منها الطاقة بالدرجة الأولى وأجور النقل والعمال والمواد الأولية والمعيشة بشكل عام، كل هذه الأمور تنعكس على سعر المنتج النهائي.
ووفق الجلاد تختلف قضية التخفيضات في الدول المجاورة مقارنة بوضعنا، لأن قدرة المواطن الشرائية فيها أعلى، والمواطن في الدول المجاورة ينتظر تصفية المواسم ومن خلالها يحصل على مكاسب كبيرة، وبالتالي حتى مع التخفيضات فإن الأسعار في بلدنا غير متناسبة مع دخل أغلب المواطنين وليس الموظفين فقط وإنما أيضاً أصحاب المهن الحرة فيجدون أن الأسعار مرتفعة ولاتناسب دخلهم، وحقيقةً الأسعار عالية.

التموين

وبين مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن تنظم عملية التخفيضات وفق القانون 14 لعام 2015، وبالتالي توصل المادة إلى المستهلك بالسعر المخفض بناءً على النسبة المئوية المحددة لكل سلعة، والإشراف عليها يتم من خلال مراقبة جميع المحال ومن ضمنها التي تعلن بدء التنزيلات، وهذا يتم عبر تجوال المراقبين والتدقيق بالأسعار قبل وبعد التخفيضات والنسبة التي يتم فيها التخفيض، ومن التدقيق في هذه العملية نصل إلى نتيجة: فإذا كانت التخفيضات وهمية يتم اتخاذ الإجراء اللازم لتنظيم الضبط الأصولي بحق المخالف للقانون 14 للعام 2015.
وتتم الرقابة من خلال سحب عينات سعرية لهذه السلع في حال كانت السلعة مطابقة لبيان التكلفة، وبعد دراستها من لجنة خاصة، وتوجد في كل مديرية لجنة التسعير الفرعية تتم دراستها ومعرفة إذا كانت حقيقية أو وهمية وإذا كانت غير نظامية يتخذ الإجراء ضمن أحكام القانون 14 ولاسيما المادة 28 من القانون ويحال الضبط على القضاء المختص.
ولفت إلى أنه وفق المادة 30 في حال كان هناك مخالفة جسيمة وتم ضبطها بالجرم المشهود يتم إغلاق المحل فوراً، ونتيجة ارتفاع الأسعار أكثر من السعر المحدد ضمن بيان التكلفة الصادر عن المديرية المالية تم إغلاق العديد من المحال التجارية في دمشق والمحافظات، وهناك مخالفات بسبب عدم الإعلان عن الأسعار في عام 2018 قاربت 13.6 ألف ضبط، ولعدم إبراز فواتير 7092 ضبطاً والمبيع بسعر زائد 1873 ضبطاً وعدم الإعلان أو عدم التقيد بسعر الخدمات يوجد 2110 ضبوط.

حمزة المحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock