مقالات وآراء

إسلام وإسلام

قطع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إستراتيجية الأمن القومي الجديدة، كل صلة مع المصطلحات الدلالية لجميع أسلافه بالإشارة إلى الجماعات الإسلامية المسلحة على أنهم «جهاديون إرهابيون».
الولايات المتحدة، التي تأسست على أيدي طائفة كانت مضطهدة في أوروبا، «البوريتانيون»، اعتبرت نفسها دائماً «بلد الحرية الدينية»، بيد أنها وجدت نفسها خلال السنوات العشر الأخيرة وجها لوجه أمام تناقضاتها الخاصة.

وصف الرئيس جورج بوش الابن الحرب ضد القاعدة، التي يُعتقد أنها نفذت هجمات 11 أيلول باسم الإسلام، بأنها «حملة صليبية»، ما أشاع اعتقاداً أن الولايات المتحدة تشن «حرب الحضارات»، كما لم تتوقف هوليوود عن الإشارة دائماً إلى مقولة: «إذا لم يكن جميع المسلمين إرهابيين، فإن كل الإرهابيين مسلمون».. إلخ.

اندلع في عام 2006، جدل عنيف بعد الكشف عن وثائق من داخل مكتب التحقيقات الفدرالي تقدم الإسلام كأساس أيديولوجي للإرهاب، ما دفع الكثير من الأميركيين إلى التنديد بالخلط بين الدين، الذي تكفل وثيقة الحقوق ممارسته بحرية، وبين الجريمة.
وفي أعقاب حملة أطلقها سلام المرياتي، وهو زعيم أميركي علمنا لاحقا بأنه من جماعة الإخوان المسلمين ويعمل لمصلحة هيلاري كلينتون، قامت إدارة الرئيس بوش الابن بمنع أي إشارة تقرن الإسلام بالإرهاب.
وفي عام 2008، نشر مدير المخابرات الوطنية مذكرة دلالية تتعلق بالكلمات المسموح استخدامها، وتلك المحظورة من التداول، وبموجب ذلك لم يعد بوسع الوثائق الرسمية القول إن أسامة بن لادن مسلم، أو إن الإرهابيين يمارسون الجهاد.
وهكذا مُنع بلد أول تنقيح دستوري، إجراء أي بحث حول كيفية قيام أنصار الإسلام السياسي في الولايات المتحدة وحلفائها، بالتلاعب بالدلالات اللغوية المتعلقة بغزوات النبي محمد.
ومع ذلك، ظل البنتاغون يهاجم على التوالي فقط الدول ذات الأغلبية السكانية من المسلمين، فإذا لم يكن ذلك عداء واضحاً للمسلمين، فهو على الأقل يشبهه.
لكن الجدل ازداد في تموز الماضي حين حاول بعض البرلمانيين أن يدرجوا في قانون البرمجة العسكرية تمويل الدراسات المتعلقة باستخدام العقائد الدينية الإسلامية لتبرير الإرهاب، ورفض مشروع القانون بفرق بسيط من الأصوات.

جدير بالذكر أن كلمة «الإسلام» تستخدم منذ القرن السابع الميلادي في الغرب باعتباره دينا يتم التلاعب به لأهداف سياسية، وإن حقيقة أن النبي محمد (ص) كان قائدا وحاكما، قد تم استخدامها دائماً لتبرير الإجراءات والسياسات العسكرية، وفي الواقع، لم يأت الإخوان المسلمين بأي شيء جديد، لقد ارتكزوا في أيديولوجيتهم على إرث ثقيل.
كان ينبغي على المسلمين في الظروف الطبيعية أن يبحثوا في تاريخهم عن المعايير التي تسمح بالتمييز بين الدين والسياسة، ولكن في هذه الفترة من الحرب المعممة في الشرق الأوسط، يبدو الأمر ضربا من المستحيل.
من خلال إعادة فتح هذا الجدل على مصراعيه، يأمل الرئيس ترامب طي الصفحة التي تعاونت فيها بلاده مع الجرائم التي ارتكبها الإخوان المسلمون والجماعات الفرعية الجهادية التابعة لهم.
لكنه، على الرغم من وجود العديد من الباحثين المسلمين الأميركيين، وبالنظر إلى الإسلاموفوبيا المتجذرة في الولايات المتحدة، فإن إجراءاته تنطوي على مخاطر سوء تفسير هذا الموضوع، والتسبب في اندلاع حرب حضارات فعلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock