مقالات وآراء

اتفاقات و«فيتو»

يمكن لأي شخص أن يلاحظ التناقض في العلاقات الممتازة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب من جهة، والمشاحنات المروعة بين الروس والأميركيين في مجلس الأمن، من جهة ثانية.
وقع الكرملين والبيت الأبيض في 8 تشرين الثاني الجاري مذكرة تفاهم في عمان، وبيانا مشتركا في دانانغ في 11 من الشهر الجاري أيضا، وهما وثيقتان تؤسسان لتقدم ملحوظ في العمل المشترك بالنسبة لسورية، واتفقت القوتان العظميان على عدم الرضوخ للضغوط الإسرائيلية المطالبة بإنشاء منطقة محايدة في الأراضي السورية بعمق 60 كم على طول خط وقف إطلاق النار لعام 1967، ولأنها دعمت الجهاديين بحيوية منقطعة النظير، ودأبت على قصف سورية، فقد وجدت إسرائيل نفسها، في النهاية، في معسكر المهزومين، ولم يعد بوسعها أن تفرض شروطها.

كما اتفق الكرملين والبيت الأبيض أيضا، في وثيقة عمان ذاتها على ضرورة إشراك اللاجئين السوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة، بينما دعا «الإخوان المسلمون» في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014 إلى مقاطعتها، وحظرت الدول الغربية إجراء التصويت فوق أراضيها، في انتهاك صريح لاتفاقية فيينا.

أما مسألة مئات ألوف السوريين المحبوسين في مخيمات اللجوء في الأردن وتركيا تحت سيطرة جماعة «الإخوان المسلمين»، فمن المفترض أن تشهد تطورا سريعا بعد التحول السعودي.

ولكن، مع كل التقدم الذي أحرزه بوتين وترامب، لا يزال فريقاهما يتذابحان في مجلس الأمن، فبعد اتهام سورية بقصف شعبها بغاز السارين في خان شيخون، قصفت الولايات المتحدة قاعدة الشعيرات الجوية، ودعمت إنشاء آلية تحقيق مشتركة من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

من وجهة نظر «الصقر» جيفري فيلتمان، الرجل الثاني في الأمم المتحدة، وكذلك السفيرة الأميركية نيكي هالي المدافعة الشرسة عن «الكبرياء الأميركي»، ينبغي على الأمم المتحدة أن تقر بصواب موقف الولايات المتحدة، لهذا السبب رفضت آلية التحقيق متابعة البروتوكولات التي أنشئت في إطار اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، فرفضت الذهاب إلى خان شيخون وأخذ عينات من قاعدة الشعيرات، واكتفت بكل بساطة بتجميع معلومات تسير في اتجاه الفرضية الأميركية، فنتج عن ذلك سلسلة متتالية من استخدام حق النقض «الفيتو» من روسيا، بهذه القضية، في 12 نيسان، و24 تشرين الأول، و16 و17 تشرين الثاني الجاري.

لا يسعنا إلا أن نشعر بالذهول أمام ولدنات السفيرة نيكي هالي، ففي العديد من المواضيع الأخرى، استخدمت القوى العظمى حق النقض «الفيتو» وانتقلت إلى مناقشة مواضيع أخرى، إلا الولايات المتحدة التي لا تقبل ألا يعطى الحق لرئيسها، من هنا تأتي محاولاتهم المتكررة لإرغام مجلس الأمن على اعتماد كذبة السلاح الكيميائي.

في الماضي، تلاعبت الولايات المتحدة بقادة ضعفاء مثل الرئيس صدام حسين، حين دفعته ليرتكب خطأ، مكن الرئيس جورج بوش الأب من حشد كل دول الكرة الأرضية، باسم الدفاع عن القانون الدولي، لغزو العراق بشكل مشروع.
كذبت الولايات المتحدة بمنتهى البساطة قبل ستة عشر عاما، ولا تزال تكذب، لتبرر طموحاتها الامبريالية، وهكذا لفقت للعراق تهمة تحضير أسلحة دمار شامل لمهاجمته، وأثارت موجة عارمة من التظاهرات السلمية التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
مهما يكن من أمر، فقد تم غزو العراق، وتدميره، وفي الوقت الحالي، صارت الولايات المتحدة تكذب بحكم العادة والكبرياء، ولم يعد الأميركيون يدركون حقيقة الواقع الذي يرغبون في مطابقته مع أوهامهم، كما لم يعودوا قادرين على الاعتراف بأخطائهم، مثل كل الإمبراطوريات الآفلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock