مقالات وآراء

الأسئلة الصعبة!

نشر الكاتب التركي حسن أوزتورك مقالاً في صحيفة «يني شفق» التركية بتاريخ 30 كانون الثاني الماضي تحت عنوان «أعزائي أيها الشباب السوري – تركيا في عفرين من أجلكم، ولكن أين أنتم؟!»، وبالطبع فإن الكاتب التركي كان قد نشر مقالاً قبله بعنوان «أيها الشباب السوريون ماذا تنتظرون؟» ويقول أوزتورك إنه إثر نشر مقاله جاءته ردود أفعال عديدة، سأذكرها أدناه نظراً لأهميتها، ولما تعكسه من انطباعات:
1- أشارت ردود الفعل إلى الفرق الكبير بين أعداد من أتوا إلى الأناضول من القوقاز، والبلقان، وبين أعداد السوريين، فأعداد الذين قدموا من غير سورية لا تتجاوز عدة آلاف، في حين يبلغ عدد السوريين حسب الأرقام الرسمية نحو 3.5 ملايين لاجئ، وطبعاً هذا الكلام يحوي ضمناً الشكوى من ضخامة العدد!
2- تشير ردود الأفعال إلى أنه إضافة للسوريين الذين أقاموا بالمعسكرات، هناك سوريون انتشروا في كل مدينة تركية تقريباً وهناك ملاحظات أتت من الأتراك أن هؤلاء السوريين بدؤوا يغيرون المجتمع التركي!! ويؤثرون فيه.
3- تقول ردود الأفعال أيضاً حسبما ذكر الكاتب أوزتورك أن السوريين أنشؤوا غيتوات، أي أحياء خاصة بهم، وجلبوا معهم عاداتهم، وسلوكياتهم، ونموذج حياتهم، ويبدوا أنهم أتوا إلى تركيا ليجدوا عملاً، وليقيموا أعمالاً تجارية أكثر من كونهم لاجئين أو مهاجرين.. وهم يعيشون في الضواحي حيث يشترون المحلات والشقق بأسعار فلكية، ويقر الكاتب بأن جشع بعض الأتراك يدفعهم لبيع السوريين، ومغادرة هذه الضواحي، ويشتكي الأتراك من ارتفاع أسعار الشقق، والمحلات التجارية التي وصلت إلى أرقام فلكية بسبب السوريين الذي ينشطون تجارياً.
4- يشير الكاتب أوزتورك إلى حقيقة أخرى –أنه حسب المعطيات حتى حزيران من العام الماضي يبلغ عدد السوريين الذكور بين 18-50 عاماً 790 ألفاً، وإذا أضفنا إليهم 150 ألف ممن تتراوح أعمارهم بين 15-18 عاماً يصل الرقم الإجمالي إلى 940 ألف ذكر، أي إن عدد السوريين الذكور في تركيا الذين هم في سن العمل والأهم الخدمة العسكرية، حوالي مليون شخص.

ما يريد أن يقوله الكاتب التركي، وكتبه بوضوح شديد أن تركيا حسب زعمه تخوض قتالاً شرساً من أجل حماية نفسها، ومن أجل 3.5 ملايين ضيف سوري ليعودوا إلى أرضهم، ووطنهم، وبلدهم، وأن تركيا، وشعبها الذي استضاف السوريين، واحتضنهم يحتاجون من هؤلاء السوريين إلى خطوة تجاه دعم تركيا، وجيشها! أي يريدون من الشباب السوري أن يتطوع للقتال تحت أمرة الجيش التركي من أجل «تحرير أرضه!» من إرهاب الـ«ب ك ك»، وما يسمى وحدات الحماية الكردية!

يصل الأمر بالكاتب أوزتورك للقول: إنه ما لم يحدث ذلك فإن هؤلاء السوريين لن يكونوا قادرين على تفادي العار بغض النظر إذا بقي هؤلاء في تركيا أم عادوا إلى سورية.
يسأل أوزتورك: إذا لم يكن هذا الوقت الآن؟ إذاً فمتى؟ ويختم بالقول: هل أنا مخطئ؟

هذا نمط من البروباغندا التي تستخدم في الصحافة التركية؟ ولكن أجيب أوزتورك: لا، لست مخطئاً! لأنه من حق تركيا أن تستثمر، وتستغل أولئك الذين هربوا من خدمة جيش بلادهم، ليقعوا الآن تحت ضغط خدمة جيش أجنبي! والعار الحقيقي: هو وجود نحو مليون سوري تتراوح أعمارهم بين 15-50 عاماً، يمكن أن يشكلوا رافداً ضخماً للجيش العربي السوري الذي عانى كثيراً من نقص في العديد البشري بسبب الهروب من الخدمة الإلزامية، وكان يمكن أن يساعدوا في تحرير أرضهم، ووطنهم من دنس الإرهاب الذي ساهم به أولئك الذين ينظرون على السوريين الآن بالعفة، والشرف، والدفاع عن الأرض، وتحريرها من إرهاب حزب العمال الكردستاني، وليس إرهاب النصرة، وجيوش الفتح التي اخترعها لنا المتأسلمون الجدد.

ما من شك أننا ندرك جميعاً أن حجم الحرب والعدوان على بلدنا كانا كبيرين جداً، ولكن ذلك لا يلغي أبداً أن نطرح على أنفسنا جميعاً سؤالاً كبيراً عريضاً: لماذا أحجم الكثير من الشباب السوري عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية؟ حتى إن كثيرين هاجروا، وتركوا البلد كي يتفادوا، ويهربوا من الخدمة!
قد يبدو هذا السؤال حساساً للبعض، ولا يحبون تناوله في الصحافة، لكن الأخطر أن نستمر بدفن رؤوسنا في الرمال، مثل النعامة تجاه هذه القضية، وقضايا أخرى كثيرة!

تخيلوا أيها السادة: هناك مليون سوري من الذكور في تركيا، فلو ذهب نصفهم إلى الخدمة الإلزامية مثلاً لما تأخر تحرير الكثير من المناطق في سورية، هذا من ناحية، ولكن طرح هذه المسألة – يفتح الباب على أسئلة أخرى:
1- هل فشلنا في تقديم، وإيضاح عدالة حربنا أمام الجمهور ونجح الأعداء حينما شيطنوا المؤسسة العسكرية في بداية الأحداث، وقدموا الحرب تارة باسم نظام، ومعارضة، وتارة أخرى باسم أقليات ضد أكثريات، وتارة ثالثة باسم المذاهب والطوائف، ومرة الحرب من أجل الكرسي والرئاسة والسلطة، ولكن هذه الأكاذيب تنكشف الآن، ويظهر أن الحرب هي ضد سورية أرضاً، وشعباً، جيشاً، ومؤسسات، وأقليات، وأكثريات، وجوامع، وكنائس، فقراء، وأغنياء، الخ!
2- هل أدت منظومات الفساد إلى تطفيش الشباب نتيجة عدم المساواة؟ فأبناء الكثير من المسؤولين حسب ما نشر في الكثير من وسائل الإعلام لم يخدموا في الجيش، على الرغم من أنهم هم من يفترض بهم أن يكونوا قدوة للجميع، وهذا سؤال آخر للنقاش.
3- علينا أن نعيد النظر في الكثير من المسائل، والقضايا، ونسأل لماذا قدم بعض السوريين أبنائهم شهداء بالآلاف وهرب آخرون من واجبهم تجاه وطنهم، ليجلسوا في تركيا، أو غيرها، ويتعرضون لمهانة الخدمة في ظل الأجنبي؟! وليقول لهم صحفي تركي: عار عليكم ألا تردوا الدين للبلد الذي آواكم، واحتضنكم!

عدة سنوات في تركيا كانت كافية ليقول لهم: عليكم أن تردوا الدين، وأن تقفوا مع من وقف معكم! فماذا على وطنهم أن يقول؟! وهو الذي علمهم، وأطعمهم، ورباهم، سنوات طويلة، وحين احتاجهم هربوا، وتركوه وحيداً؟
آه كم هناك من لحظات صعبة، وأسئلة كثيرة في أذهاننا نحن السوريين، وخاصةً بعد أن وجد كثير منا أن لا مكان أعز من الأرض، والوطن، وأن خدمة الوطن، والتضحية من أجله هي أرفع مكانة من أن يشعر الإنسان بالعار أمام أي أجنبي مهما كان.

ولأن الأبواب فتحت بعد سوتشي، علينا أن ندرك أن سورية القوية، الحرة، المستقلة، الديمقراطية هي الملجأ الوحيد لنا جميعاً وأن علينا أن نجيب عن كثير من الأسئلة الصعبة بوضوح وعلمية، وموضوعية، وأن نطرحها للنقاش، ليس من أجل أن نسجل نقاطاً على أحد، أو نتهم أحداً بالتقصير ولكن من أجل أن نبني المستقبل، وأن نحصن القلعة التي تمكن أعداؤنا للأسف من اختراقها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock