مقالات وآراء

العدوان.. الأهداف الأميركية وغير الأميركية

نفذت واشنطن تهديدها بإجراء عسكري أحادي الجانب، من دون أن تنتظر مشاورات مجلس الأمن والتصويت على قرار أممي، أو حتى التحقيق في ما جرى صباح الثلاثاء الماضي في خان شيخون، واستهدفت مطار الشعيرات بعشرات صواريخ «التوماهوك» التي أدت إلى استشهاد 6 عسكريين سوريين وعدد من الجرحى، إضافة إلى الأضرار المادية.
الهدف الأميركي هو الأوضح بين أهداف كل الدول المتبقية، فالرئيس دونالد ترامب أراد من خلال عدوانه أن يثبت للأميركيين أنه ليس كالرئيس باراك أوباما وأنه ليس «دمية» بيد الروس، كما كان يتهمه الإعلام المعادي له داخل الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى رغبته التي أعلن عنها في حملته الانتخابية بإعادة بلاده لتتصدر قائمة أقوى دول العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ورأى فيما حصل بخان شيخون الفرصة المواتية لاستعراض عضلاته من دون الاكتراث بالقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، أو حتى التشاور مع حلفائه التقليديين في حلف الناتو وغيرهم لإثبات «رجولته» وتفرد بلاده بقرار الحرب والسلم، لكنه بطبيعة الحال كان عليه إبلاغ روسيا بتحركه، وتجنب أي اشتباك أو مواجهة مع الروس، وسيوفد بعد أيام وزير خارجيته إلى موسكو لتهدئة الأجواء ومنع أي تصعيد أو توتر إضافي بين البلدين.
لكن هدف ترامب لم يكن ذاته هدف العديد من البلدان والأحزاب والشخصيات السورية وغير السورية، فالاتحاد الأوروبي الذي تقوده فرنسا وألمانيا وبريطانيا، على الرغم من خروج الأخير منه، رأى من خلال العدوان، فرصة ذهبية لفرض «هيئة حكم انتقالي على مقاسهم» في سورية، كانوا حتى نهاية الجولة الأخيرة من جنيف عاجزين عن تحقيقها، والآن يريدون فرضها بقوة «التوماهوك» الأميركي.
أما دول الخليج، التي يقودها بنو سعود، فرأوا أن العدوان الأميركي يجب أن يكون فاتحة لمزيد من الاعتداءات لفرض الحل العسكري الذي لطالما نادوا به ومولوه وأخفقوا في تحقيق أي نتائج في مواجهة الجيش العربي السوري.
تركيا الرابح الأكبر من الهجوم الكيميائي المزعوم، والمسؤولة عنه مباشرة، أرادت من خلال افتعاله تحقيق عدة أهداف:
الأول: تغيير نظرة الرئيس ترامب تجاه سورية، ونجحت في ذلك.
الثاني: إعادة العلاقات المميزة مع البنتاغون وأجهزة الاستخبارات الأميركية بعد توترها إثر الانقلاب الفاشل في تموز العام الماضي، وتقديم أوراق اعتماد جديدة للإدارة الأميركية لحثها على وقف التعاون مع الأكراد الانفصاليين، والتعاون مع الجيش التركي، وهي لذلك قدمت عرضاً بدعم العدوان الأميركي على سورية، إلا أن البنتاغون فضل استخدام سفنه في المتوسط بدلاً من قاعدة أنجرليك في تركيا، منعاً لأي شبهة في تعاون استخباراتي وعسكري تركي أميركي، ولأي اشتباك جوي مع القوات الروسية.
إن تركيا التي افتعلت، على الأغلب، الهجوم الكيميائي على خان شيخون لكونها المستفيد الأكبر منه، وزودت الفصائل الإرهابية بالغازات السامة وتعرف مكان تخزينها، هي من أعلنت، خلال دقائق مسؤولية «النظام» وأجرت «تحقيقاً» و«تشريحاً» للجثث، وقدمت لسيد البيت الأبيض، من خلال تصريحات للمرتزقة السوريين المقيمين على أرضها والمنتشرين في إدلب وجميعهم «شاهدوا بأم العين» نوع الطائرة واسمها ومن أي مطار أقلعت وفي أي توقيت، أن لا مجال للشك في مسؤولية الدولة السورية تجاه ما حصل، وشرعت الأبواب للعدوان الأميركي المخطط قبل حدوث مجزرة خان شيخون، وكان ينقصه فقط شهادات تركيا ومرتزقتها.
تعتقد أنقرة أنه من خلال ما افتعلته وقدمته من أوراق اعتماد جديدة لواشنطن، تنهي حلم الأكراد في الحصول على الدعم الأميركي المطلق، وتتخلص من الضغط الروسي والاتفاقيات التي تم توقيعها لضمان وقف إطلاق النار في سورية، وتعود لتكون الشريك الإستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، وهنا يجب ألا نغفل العلاقة المميزة التي تربط ترامب بأردوغان منذ زمن بعيد.
وبالعودة إلى العدوان على مطار الشعيرات العسكري، واستثماراته، لا بد أن نسجل موقف بعض ما يسمى «معارضات» سورية التي شكرت الولايات المتحدة على عمليتها وطالبت بالمزيد منها، فهذه المعارضات، ومنهم من يتبع للتركي أو للسعودي وآخرون لقطر ودول أوروبية، ومنهم لإسرائيل، وجدوا في هذا العدوان، فرصة لإثبات «لا سوريتهم» من جديد وخيانتهم لما هو مفترض أن يكون وطنهم! وهذا إن دل على شيء فهو يدل على صوابية موقف دمشق خلال مباحثات جنيف ومطالبتها الدائمة بوجود شريك سوري لإنجاز حل سياسي، شريك لا يزال مفقوداً وسط مسار لم يعد قابلاً للحياة ما بقي برعاية أميركية، أي برعاية معتد معلن وعن سابق إصرار.
وبعيداً عن الأهداف والاستثمارات لهذا العدوان، يبقى الرد السوري الروسي، ورد محور الدفاع عن الشرعية والقانون الدولي، الذي لم يتأخر وسيترجم بسحق كل مرتزقة الخليج وتركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية الموجودين على الأراضي السورية ويمثلون مصالح الغرب بغطاء الإرهاب، وتعزيز الدفاعات الجوية السورية لردع أي عدوان على سورية، علماً أن العدوان الأميركي المباشر لن يتكرر وترامب يدرك ذلك جيداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock