مقالات وآراء

تركيا بين شرق وغرب

أطلق الرئيس أردوغان حملة تنظيف واسعة في صفوف كل العناصر الموالية للولايات المتحدة، لكي يضمن بقاءه شخصيا، وهي حملة جديدة تضاف إلى المعركة التي يقودها على سورية، وحزب العمال الكردستاني، وكذلك على مرتزقته سابقاً في «داعش».

مرت عملية تحطيم نفوذ الولايات المتحدة بداية، عبر استئصال حركة «حزمت» التابعة لفتح اللـه غولن، الداعية الإسلامي الذي يعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية انطلاقا من مقر إقامته في بنسلفانيا. وهي مستمرة حتى الآن من خلال إقالة، واعتقال في كثير من الأحيان، ليس فقط كل العسكريين المرتبطين بالولايات المتحدة، بل كل العسكريين العلمانيين، توخيا لمزيد من الحذر، بشكل عام.. تأسيساً على ذلك، تم استدعاء 450 من أصل 600 من كبار الضباط الأتراك، الذين يؤدون خدمتهم في مقرات حلف شمال الأطلسي بتركيا. أكثر من مئة من هؤلاء الضباط الكبار تقدموا مع عائلاتهم بطلبات لجوء إلى بلجيكا، بوصفها مقر قيادة الحلف الأطلسي.

النتيجة الأولى لحملة التطهير المناهضة للعلمانية تجلت في قطع رأس الجيش التركي لفترة طويلة من الزمن.. صرف أردوغان من الخدمة، في خمسة شهور فقط، 44% من كبار الضباط. هؤلاء، كان قد تمت إقالة واعتقال أو سجن 70% منهم إبان فضيحة ايرجينيكون.

أردوغان مجبر الآن على تقليص طموحاته العسكرية خلال السنوات القادمة، في الدول الثلاث التي يحتلها جزئيا، سورية، والعراق، وقبرص.
لهذا تخلى عن شرقي حلب في سورية، دون إدلب، ويتأهب الآن للانسحاب من بعشيقة في العراق.

بنظر واشنطن، أن مجرد احتمال خروج تركيا من حلف شمال الأطلسي، أو على الأقل من القيادة المتكاملة للمنظمة، سبب كاف ليتصبب العرق البارد من جباه الفصيل الإمبريالي للسلطة، ويشيع السكينة لدى فريق دونالد ترامب، ما يشكل ضغطا على المحافظين الجدد, على هذا النحو سعت فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية، إلى تقديم قبرص هدية لرجب طيب أردوغان، وهو مشروع كانت قد صممته عقب انتخابات شهر تشرين الثاني 2015، حين أعطى الرئيس باراك أوباما أوامره بتصفية الرئيس التركي.

مارست السيدة نولاند كل أصناف الابتزاز على الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس لكي يقبل خطتها «للسلام» في جزيرة منزوعة السلاح، أي حرمانها من جيشها الوطني، مقابل انتشار قوات عسكرية– تركية- من حلف شمال الأطلسي مكانه, بهذه الطريقة فقط يستطيع الجيش التركي إنجاز مهمة غزوه للجزيرة من دون قتال.

كان من الممكن، في حال رفض الرئيس أناستاسياديس لهذه الصفقة المخادعة، أن تجري ملاحقته قضائيا في نيويورك، بدعوى تورطه كمحام سابقا في قضايا شركة امبيريوم العائدة لصديقه الروسي ليونيد ليبيدوف.
هكذا إذاً سيكون ثمن قطيعة تركيا مع حلف شمال الأطلسي، حرمانها من الجزء الشمالي الشرقي الذي تحتله في الجزيرة، على حين يعود عليها البقاء في المنظمة، بالجزيرة كاملة.

مما لاشك فيه أن وزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون، سوف يقيل فيكتوريا نولاند من منصبها بعد بضعة أسابيع، لكن المجموعة التي تمثلها، لن تفقد كل نفوذها. فالسيدة نولاند واحدة من دهاقنة المحافظين الجدد، متزوجة من روبرت كاغان، أحد مؤسسي «مشروع القرن الأميركي الجديد»، ومن واضعي خطة أحداث 11 أيلول أيضاً، ويتقاضى هذا الأخير حالياً مرتبه من معهد بروكينغز العائد لقطر.. أما فيما يخص فيكتوريا نولاند، فقد كانت بشكل منتظم سفيرة لدى منظمة حلف شمال الأطلسي، والمتحدثة الرسمية باسم هيلاري كلينتون، ومدبرة الانقلاب في كييف، في شهر شباط من عام 2014. كما ساعدت الرئيسين بيترو بوروشينكو، وأردوغان رسمياً على إنشاء «اللواء الإسلامي الدولي» الذي قام بعمليات تخريب واسعة في شبه جزيرة القرم. وعلى الأغلب، ستتولى الدولة العميقة في الولايات المتحدة، مواصلة أنشطتها ضد إدارة الرئيس ترامب.. تدرك موسكو جيداً قدرة أردوغان على تغيير إستراتيجيته فجأة، ما يرتب عليها، إما تهدئة هواجس الرئيس اناستاسياديس، أو تقديم شيء أكثر إغراءً لأنقرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock