مقالات وآراء

مدرسة الثائر

عامان على رحيله ولا يزال يومياً ماثلاً أمامنا.. فثائر لم يكن صحفياً عادياً في ظرف عادي. كان اسثتنائياً في فترة استثنائية وثق خلالها ويلات الحرب وبطولات الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني، ووثق كذلك بطولات كل الشعب السوري وصموده وتمسكه بأرضه وهويته.
كنت ألتقي ثائر في أوقات متأخرة من الليل، فكان يأتي إلى فندق الداماروز ما بين معركة وأخرى ويحدثني عن الحرب ورفاقه ويشكو باستمرار من منعه الوصول إلى المناطق الساخنة، فكان يتسلل إليها من دون إذن أو رقيب.

عشق ثائر مهنة الإعلام، وورث من والده الأستاذ الزميل شمس الدين العجلاني هواية التوثيق ومن والدته السيدة هدى الحمصي دبلوماسية التعاطي، فكان استثنائياً بشخصه وحبه غير المحدود للناس وللفقراء منهم، ويده لم تتوقف يوماً عن مد العون لهم.

حين رحل ثائر منذ عامين، كتبت عنه واصفاً إياه أنه كان صحفياً بحجم وزارة وسورياً بحجم وطن، ولم أبالغ آنذاك، إذ تحول عمل ثائر العجلاني إلى مدرسة في الإعلام الميداني وكم من نسخة مزيفة لثائر ظهرت بعد رحيله لكنها لم ترتق يوماً إلى موهبته وعشقه للمهنة لا للشهرة والمال التي يحاول الكثير اليوم اكتسابها من خلال تقليد مفضوح لثائر.

حين كنت ألتقي ثائر، كان يأتي بلباس الميدان، ذاك اللباس الذي تبناه لنقل الصورة والصوت والحقيقة لكل السوريين. لم يكن لباساً عسكرياً ولا مموهاً، كان لباساً فيه من الجيب ما يكفي لحمل كل ما يملكه من كاميرات وتقنيات تتيح له العمل حين يشاء وأينما يشأ. لم يكن يهاب شيئاً، كان يتلاعب مع الموت كل يوم ويمازحه احتراماً وتقديراً لمهنته، وكم من مرة طلبت منه كما كانت تطلب كل عائلته أن يحتاط أكثر وألا يتهور كثيراً، فكان يجاملنا جميعاً بابتسامته الساحرة ويمضي إلى الجبهات ساخراً من الموت ومن الحرب التي كان يعلم قبل كثير من الناس أننا سنربحها ولا خيار لنا إلا الانتصار.

عاش ثائر حاملاً هموم المهنة وهموم الحرب وهموم عائلته. كان يحدثني عن أولاده ومتطلباتهم ومصاعب الحياة والمعاناة مع المؤسسات الإعلامية التي كان يتعاون معها ولم تكن تقدر قيمة عمله. كان في كل لقاء يطلب مني المشورة ويناديني «يا كبير» في إشارة منه على اطلاعي ومعرفتي بمختلف مفاصل الإعلام. كان يسأل عن فلان وفلان وعن هذه المؤسسة وتلك، وأين وكيف يمكن أن يتعاون معهم. كان يريد أن يصل الخبر السوري إلى بقاع العالم، وليس أي خبر بل ذلك الموثق بالصورة والصوت والذي يدحض كل أكاذيب القنوات التي كانت تؤلف عشرات الأكاذيب يومياً تجاه ما يجري في سورية.

كان يأتيني مملوءاً بغبار المعركة وبعد دقائق من اللقاء تراه غير قادر على الجلوس على كرسي يريد أن يتحرك فكان يستأذن ليغادر مجدداً إلى أرض المعركة حيث كان رفاقه بانتظاره.

ثائر مدرسة حقيقية، ومن يرد أن يكون مثل ثائر فعليه أن يتحلى بصفاته لا أن يصطحب كاميرا ويدخل إلى الجبهات الساخنة فقط. عليه أن يعشق دمشق وسورية كما عشقها ثائر، وعليه أن يعشق المهنة، أن يحب الناس لتحبه بدورها.

يوم وداع ثائر شاهدت المئات من الناس تشارك في التشييع ولم تكن يوماً التقت ثائر، كانت تبكي من كانوا يعتبرونه صديقهم اليومي على مواقع التواصل الاجتماعي، ذاك الشاب الذي كلما قلق الدمشقيون كان موجوداً ليرفع من معنوياتهم ويعيد إليهم الابتسامة ويطمئنهم أن سورية بخير «أيها السادة» ولا خوف عليها.

نعم ثائر لا يزال ماثلاً أمامنا بمدرسته وبحبه لوطنه وبصوره ووثائقه ومن خلال والده ووالدته وأولاده وكل من أحبه، نفتقده يومياً وصفحات الوطن تشتاق إليه وعزاؤنا أن ثائر كان المؤسس للإعلام الميداني السوري وأن اسمه سيبقى خالداً في تاريخ الإعلام الوطني لما كان له من صدى ومصداقية ومهنية وعشق لمهنة كثر من حاولوا تشويهها فكان لهم بالمرصاد.

رحمك اللـه ثائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock