مقالات وآراء

مملكة محمد بن سلمان!

تطرح التحولات الدراماتيكية التي تجري في المملكة السعودية جملة تساؤلات حول مستقبل النظام العائلي السياسي فيها، إضافة إلى العلاقات فيما بين مفاصل العائلة الحاكمة أو من تبقى منها، كذلك دور وموقع المملكة إقليمياً ودولياً في ظل الانقلاب الذي كسر الصورة النمطية لآليات تداول الحكم فيها.
فقد اعتاد الرأي العام العربي والدولي أن يشهد انتقالاً سلساً ومدروساً للمُلك في السعودية ويشهد كذلك توزيعاً متوازناً إلى حد كبير للمواقع الحساسة في نظام المُلك، هذا ومن ضمنه تقاسم متوافق عليه للثروات والأموال التي وهبتها ثورة النفط لهذا البلد الصحراوي الجاف، وبناءً على ذلك كانت تُعتَبَر السعودية واحة استقرار سياسي استثماري ومحطة إقليمية ودولية لإخراج التسويات التي يمكن أن تنهي حروباً، وفي الوقت ذاته، منصة خلفية لإثارة صراعات تهدف إلى مواجهة مشاريع يمكن أن تقلب التوازنات التي أرستها العلاقة الإستراتيجية السعودية الأميركية في العالمين العربي والإسلامي.

وفق هذه التوصيفات المتناقضة، استطاع النظام السعودي وعلى مدى عقود طويلة أن يُكسِب المملكة نفوذاً سياسياً واقتصادياً، ثم إعلامياً، كذلك تمكن من أن يمنحها هيبة تغنيها عن استعمال القوة وقدرة للنفاذ الاستخباراتي إلى أنظمة دول أخرى من بوابة استعمال المعطى الديني وأيضاً المالي مادة للاستحواذ على عقول بعض مجتمعات هذه الأنظمة.

منذ أقل من ستة شهور، تاريخ إقالة ولي العهد السابق ووزير الداخلية محمد بن نايف، ليقوم محمد بن سلمان بتنصيب نفسه ولياً للعهد وحاكماً ديكتاتورياً فردياً، بدلاً من حكم العائلة، وذلك في ظل عدم وجود دستور أو سلطات منتخبة كمجلس النواب أو منبثقة عنه كمجلس الوزراء أو هيئات قضائية مدنية فعلية أو أحزاب وقوى سياسية أو نقابات مهنية أو عمالية، منذ ذلك الحين الذي أُسقِطت فيه آليات المُلك والولاية عبر إلغاء هيئة البيعة الموسعة التي كانت مؤلفة من نحو خمسمئة شخصية أميرية، واستبدالها بأربع وثلاثين فقط تم اختيارهم من الموالين حصراً، كان واضحاً أن النظام السعودي الجديد الذي صار قائماً على حاكمٍ، وحيد سيسعى إلى «شرعنة» انقلابه الداخلي من خلال إشغال المجتمع السعودي بالخوف على الوجود والمصير والمخاطر التي تستوجب التسليم المطلق والأعمى للملك الفعلي الشاب الذي يحمل رؤية 2030 التي تم اصطناعها وصياغتها من بعض الخبراء الغربيين لتقديمها لهذا المجتمع على أنها حلمٌ يستحق التضحية المرحلية للوصول إليه.

لاشك أن التورطات السعودية في إثارة وإدارة أكثر من صراع وحرب في العالمين العربي والإسلامي، سابقة لانقلاب محمد بن سلمان على أعمامه وأبناء أعمامه وأقربائه كافة إضافة إلى اعتقال أغلبهم حتى غير الطامحين منهم سياسياً أمثال أحمد بن عبد العزيز، وقتل البعض الآخر، غير أن الاندفاعة المتهورة التي أبداها منذ توليه وزارة الدفاع في شهر كانون الثاني من العام 2015، والتي تمثلت بعدوان «عاصفة الحزم» على الشعب اليمني شكلت تحولاً تاريخياً في أسلوب المواجهة السعودية التقليدية بحيث دفع بلاده إلى خوض حرب دموية مباشرة مع الجار الأكثر إيلاماً بدعم أميركي بريطاني إسرائيلي، ظناً من ابن سلمان ومن الأطراف الثلاثة المذكورة أن هذه الحرب، ستؤدي إلى استدراج إيران إلى مواجهة تُشغِلُها عن دعم حلفائها في محور المقاومة وتعيدها إلى زمن الحصار الدولي والإقليمي، وتفرض واقعاً إقليمياً جديداً تكون للرياض الكلمة الفصل فيه.

يقف محمد بن سلمان اليوم وتقف معه مملكته الحالية على تقاطع اتجاهات، فإذا سلك أحدهما وحيداً نتيجة تخلي واشنطن عنه في اللحظة الأخيرة، جرياً على عادتها مع أتباعها، يكون قد كتب نهايته بيديه، وبالتالي قاد السعودية إلى التقسيم المحتوم، وإذا سلك آخر بدعم أميركي إسرائيلي مطلق كما هو يراهن، يكون قد نقل السعودية من حُكم ديكتاتورية العائلة المالكة وحاشيتها المالية والاقتصادية، إلى حُكم ديكتاتورية الملك الفرد المُسَور بالأجهزة البوليسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock