مقالات وآراء

أمام مفترق طرق

عبد المنعم علي عيسى

أعلن المبعوث الأممي غير بيدرسون الأحد الماضي، عن انتهاء أعمال الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة المصغرة المعنية بتعديل الدستور السوري أو الإتيان بآخر جديد، دون التوصل إلى اتفاق قيل إن نقيضه، أي اللااتفاق، تمحور حول مبدأ «الهوية الوطنية السورية» وإن كان قد قال إن ثمة تقدماً قد حصل في هذه الجولة تاركاً للوفود حرية الإفصاح عنه أو تحديد نوعه وحجمه، لكن الإعلان عن انتهاء الجولة لم يتزامن، كما جرت العادة أو يقتضيه واقع الحال في مثل حالات كهذه، مع الإعلان عن موعد جديد لانعقاد الجولة الرابعة الذي لن يكون قريباً كما يبدو.

ماذا يعني كل هذا؟

عدم الإعلان عن موعد جديد لـ«منازلة» جديدة يعني شيئاً وحيداً هو أن المسافة لا تزال بعيدة بين المواقف، ولذا فإن تحديد موعد جديد سيظل مرهوناً بما يمكن أن تفضي إليه التطورات المتسارعة على الساحة السورية، والمرتبطة إلى درجة كبيرة بنظيرة لها تجري في المحيطين القريب والبعيد، ثم بتداعيات الحصار المفروض على السوريين، حيث يرى الغرب بأن هذا الفعل الأخير سيشكل على المدى القريب أو البعيد عامل ضغط على القيادة السورية سوف تدفع بالتأكيد إلى ضيق خياراتها وصولاً إلى تخفيض سقوفها التي لا تزال عالية وفق تلك الرؤية.

لربما تطرح مسألة عدم التوافق على مبدأ «الهوية الوطنية السورية» الذي أعلن عنه هكذا دون تفاصيل، إذ لا يبدو متاحاً للمتابع معرفة نقاط الخلاف في هذا السياق، بل ولا يبدو متاحاً أيضاً معرفة طريقة التعاطي مع ملف كهذا هو في غاية الحساسية، والمؤكد هو أن تراسيمه سوف تحدد بدرجة كبرى شكل الكيان الوليد ودوره، ومعهما كل ما يلحق بهذين الأخيرين من تبعات سوف تظهر تباعاً في الجسد السوري رهناً بالاستحقاقات الكبرى التي لن يتوقف توالدها حتى ولو جرى الإعلان عن توافق ما اليوم أو غداً أو بعد غد.

نقول لربما يطرح عدم التوافق سابق الذكر، والذي يعتبر مؤشراً خطراً على وجود انزياحات في شرائح عدة داخل النسيج المجتمعي السوري أصبحت مرتهنة للخارج تماماً، ولا يجوز، بأي حال من الأحوال، التعاطي مع مسألة كهذه من باب التخوين، أو حتى اتهام هؤلاء بخروجهم عن الحالة الوطنية، صحيح أن قرار هذي النسج بات يصنع في ردهات غرف صناعة القرار في عواصم معروفة، إلا أن الصحيح أيضاً أن هذا الفعل الأخير، المقصود به الارتهان للخارج، ما كان ليحدث لولا وجود تلاقيات فكرية وسياسية هي من الناحية المنهجية تعتبر لازمة لتبني ذلك الفعل، وتلك مسألة أبعد من السياسية، ومن الواجب علينا كسوريين دراستها، بل إطالة البحث والتدقيق، لإيجاد تبرير شاف لخروج ظاهرة كهذه تبدو مهددة للكيان الذي ظل حتى ما بعد سقوط بغداد 2003 ركيزة أساس وحجر زاوية، في تماسك المنطقة برمتها، والراجح هو أن واشنطن الآن قد أعادت التفكير في رؤياها التي استندت عليها قبيل ذلك الغزو، والتي تقول إن العراق هو الذي كان يلعب دور تلك الركيزة أو ذلك الحجر، وأن تفجيره، وفق تلك الرؤية، سيؤدي إلى تشظي باقي الكيانات على طريقة تساقط أحجار الدومينو الشهيرة، واشنطن الآن ترى أن تفجير الكيان السوري هو الذي يمكن أن يؤدي إلى هذا الفعل الأخير.

نعود لنقول إن حالة عدم التوافق سابقة الذكر، تتطلب طرح برنامج وطني كبير يتلاقى حوله السوريون، أو أغلبيتهم على الأقل، وينتج عنه بالضرورة مفهوم عام يتفق عليه أبناء الوطن، وتياراته وقواه الفاعلة، وفيه تتحدد معاني مصطلحات على درجة عالية من الأهمية مثل الديمقراطية والحرية والعدالة والشهادة والوطنية أين تبدأ وأين تنتهي، وكذا العديد من المصطلحات المهمة الأخرى، فمن المؤكد هو أن هذي المصطلحات التي تلعب دور صمام الأمان في حفظ الأمن والاستقرار في المجتمعات إذا ما جرى التوافق عليها، هي نفسها التي يمكن أن تلعب دور الأداة لضرب هذين الأخيرين في المجتمعات نفسها إذا ما جاءت ملونة، أو هي معرفة، بطريقة لا تتلاقى تحت سقوفها أغلبية الشرائح والتيارات وقوى المجتمع الأخرى الفاعلة.

نحن بالتأكيد أمام مفترق طرق كبير، والمثل الصيني يقول إن «الماء الذي يأتي من مكان بعيد لا يستطيع أن يشارك في إخماد حريق قريب».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock