مقالات وآراء

التصعيد الأميركي وإغلاق مضيق هرمز

تعكس حالة الاهتمام داخل مراكز الدراسات الأميركية حول قيام تنظيم داعش بإعادة تمركزه وتموضعه في كل من سورية والعراق، مدى توجه واشنطن بإعادة إنتاجه مرة جديدة أو توظيفه بشكل أو بآخر، بالتزامن مع تصعيد اللهجة من قبل الإدارة الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران وعرقلة المساعي لإنجاح أستانا 12 بتحقيق أي خرق في المشهد السوري وبخاصة فيما يتعلق باللجنة الدستورية من خلال الضغط الأميركي على الأمم المتحدة أو من خلال ما يسمى وفد المعارضة، وهذه السلوكيات قد تشكل مقدمة لتوجهات تصعيدية في السياسة الأميركية من خلال استبدال تكتيكاتها في المنطقة، عبر توجه واشنطن إلى توظيف محتمل لميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» وعناصر تنظيم داعش لاستهداف البوكمال والميادين والبادية، وبخاصة أن تنظيم داعش مازال يستهدف الجيش السوري في عمق البادية، بالتوازي مع إيصال شحنات أسلحة بشكل متتالٍ ومتسارع لـ«قسد» وإعادة استثمار مخيم الركبان واستغلال ظروف المواطنين السوريين به ودفعهم نحو التسليح والتدريب والانضمام لميليشيات «جيش المغاوير» وذلك بهدف إغلاق المنفذ البري وتأمين الحماية لقاعدة التنف وزيادة الحصار على سورية، واتساع الرقعة الجغرافية التي تحتلها «قسد» وفرضها كأمر واقع، وفي ذات الوقت قد يعلن عن اتفاق أميركي تركي لتسيير دوريات مشتركة في الشمال ضمن ما يسمى المنطقة الآمنة، وذلك انطلاقا من رغبة واشنطن بدك إسفين الخلاف بين ترويكا أستانا.
رغم أن الإدارة الأميركية وفق وصف بعض المختصين في العلاقات الدولية ليست «حكومة حرب» بل تستثمر قيامها بعمليات عسكرية عدوانية محدودة كما حصل سابقاً في مطار الشعيرات والعدوان الثلاثي على سورية لتحسين وضعها التفاوضي، لكنها قد تقدم على القيام ببعض الضربات العدوانية عبر صواريخ موجهة أو طائرات دون طيار ضد مواقع لحلفاء سورية على الحدود السورية العراقية، أو قد تمنح الكيان الإسرائيلي الضوء الأخضر لذلك وبخاصة بعد تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية وقيام واشنطن بجمع معلومات استخباراتية حول انتشار القوات الحليفة على طول الحدود، وادعاء الكيان الإسرائيلي بأن جثة الجاسوس كوهين متواجدة في أحد جبال الساحل السوري، فضلاً عن قيامه بخروقات متكررة ومنتظمة للأجواء اللبنانية خلال الفترة الماضية.
إن هناك إدراكا أميركيا أن الآثار المترتبة على إغلاق مضيق هرمز لن يكون في صالحها الجيوسياسي واحتمال تعرض قواعدها للخطر في دول الخليج والعراق في حال إقدامها على أي تهور مباشر ضد إيران قد يدفعها نحو عمليات ضد قوات الحرس في كل من سورية والعراق.
ويرى أصحاب هذا الاعتقاد أن الأيام القادمة وبخاصة مع إزاحة الستار على شهر أيار تبدو أنها حبلى بالتصعيد وهذا التصعيد قد يكون ضمن ثلاثة احتمالات:
الأول: تصعيد عسكري مضبوط ومحدود ضمن توظيف الوكلاء مجدداً في استهداف القوات الإيرانية وقد تكون في استهداف العمق الأمني الإيراني كما حصل سابقاً وبشكل يتناغم مع التهديدات التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ عامين بنقل المعركة للداخل الإيراني. وقد يكون هذا السيناريو أكثر شمولية بمعنى أن يشترك الوكلاء والاصلاء في القيام بعدوانهم فهناك في إدلب عشرات الآلاف من المسلحين أيضاً قد يقدمون على استخدام الكيميائي ليكون مبرراً لعدوان خارجي جديد بالتزامن مع استهداف مواقع الجيش السوري وحلفائه في أكثر من جبهة ومنطقة.
الثاني: التوجه نحو فرض المزيد من العقوبات على إيران وكافة الدول والكيانات العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تنتهك الأوامر الأميركية في التعامل مع الحرس الثوري الإيراني أو التي تشتري النفط منها.
الثالث: التصعيد الشامل وفي هذا السيناريو الذي تبدو مؤشراته حتى اللحظة أقل ولكنه وارد الحدوث، لأن حجم آثاره التدميرية وإدارته ونهايته لن تكون بيد أحد وستكون دول الخليج والكيان الإسرائيلي أكثر المتضررين منه، فالجيوش الخليجية لا تتمتع بأي خبرات قتالية ولم تخض حروبا» تذكر، سوى غرقها في مستنقع الاعتداء على اليمن منذ أكثر من 4 سنوات، والكيان الإسرائيلي جبهته الداخلية لن تتحمل سقوط آلاف الصواريخ يومياً فضلا عن آلاف الاستشهاديين الذين سينضمون للمقاومة كما كشف الأمين العام لحزب اللـه سابقاً.
هذا السلوك الأميركي سيشكل دافعاً للتخلص السوري الإيراني من المطالب الروسية بالصبر واعتماد الحلول السياسية في التعامل مع منطقتي إدلب وشرق الفرات. إذاً هذه ربما تكون الخيارات المتاحة في المرحلة القادمة.
لكن في المقلب الآخر ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم إعفاء أي من الدول من العقوبات المفروضة على إيران فيما يتعلق بشراء نفطها، يطرح التساؤل: هل ستنجح واشنطن في تصفير صادرات النفط الإيرانية؟ وهل ستقدم طهران على إغلاق المضيق؟ وهل ستتمكن دول الخليج من تصدير نفطها في حال إغلاق مضيق هرمز؟
الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة في غاية الأهمية، نعم واشنطن يبدو أنها جادة وجداً في إحكام طوقها على إيران وبشكل غير مسبوق، وما فرض العقوبات على الحرس الثوري الذي يشكل العمود الفقري للمؤسسة العسكرية الإيرانية وكذلك الداعم في بناء البنى التحتية وفرض عقوبات على كل من يتعامل معه من كيانات ودول وكذلك عدم إعفاء أي من الدول الثماني التي أعفيت سابقاً من العقوبات المتعلقة بشراء النفط الإيراني هو خير دليل على هذا التصعيد غير المسبوق. هذا فضلاً عن الرغبة بحصار سورية وعدم الانسحاب منها ومحاولة إعادة الحرب الأهلية للساحة اللبنانية والتي بشر بها وزير الخارجية مايك بامبيو في زيارته الأخيرة لبيروت.
من الطبيعي كردة فعل قد لا تكون عسكرية مباشرة وضمن الخيارات المتاحة فإن طهران قد تنشر الصواريخ البالستية على طول حدودها وكذلك تذهب نحو رفع الحظر عن التخصيب وزيادة منسوبه لأعلى معدلاته، وقد تقدم على إغلاق مضيق هرمز.
هذا المضيق بأهميته الجغرافية الذي يعتبر شريان الحياة والرئة بالنسبة لإيران ودول الخليج أهمها قطر والإمارات والكويت والسعودية، ولكن إغلاقه قد يعني إغلاق إيران على ذاتها، وهذا قد يكون هدفاً أميركياً بحد ذاته: بأن تقوم إيران بإغلاق هذا الطريق والضغط على باكستان والهند لخفض تعاونهم مع طهران.
ربما البعض قد يعترض على هذه المقاربة، ولكنها مقاربة قد تكون واقعية وهدفاً كما أسلفت سابقاً وقد تسعى إليها واشنطن لتحقيق عدة أهداف:
1. دفع إيران نحو العزلة والانغلاق على ذاتها، ولاسيما إن استطاعت واشنطن إحياء داعش في العراق ودفع «قسد» للسيطرة على الحدود السورية العراقية، في ظل عدم القدرة الأميركية على فرض املاءاتها بصورة عسكرية مباشرة، فضلاً عن نقل داعش لآسيا الوسطى الملاصقة للحدود الإيرانية.
2. استبدال نقل الصادرات والواردات الخليجية عن طريق البحر بمجال بري يربطها مع الكيان الإسرائيلي، وبذلك تكون واشنطن زادت من توطيد العلاقات الخليجية الإسرائيلية وعززت الدور الإسرائيلي كشريان رئة للاقتصاد الخليجي وبخاصة في إدارة موارد الطاقة.
3. زيادة تسريع وتيرة ربط دول الخليج بالكيان الإسرائيلي بخطوط سكك حديدية وهذا الربط هو كان صلب الزيارات المتبادلة مؤخراً بين الجانبين، وهو ما دفع وزير خارجية عمان في منتدى البحر الميت للمطالبة بإيجاد بيئة آمنة للكيان.
قد يكون هذا التصعيد الإعلامي والتهديد بالقوة أو اللجوء إليها مجرد استعراض للعضلات للذهاب نحو مباحثات سياسية، ولكن صفقة القرن اليوم تنفذ بأدوات ووسائل في بعض الأحيان وربما أكثرها، غير إسرائيلية وأميركية ولكن بتخطيط وإدارة من تل أبيب وواشنطن فالسلام الاقتصادي والحرب الاقتصادية وسيلة لتنفيذ هذا المخطط، وعلى محور المقاومة الإسراع بقلب الطاولة، وعلى موسكو أن تعي أن هدف هذه المشاريع تقليص دورها وتأثيرها على القرار الأوروبي في المدى البعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock