العناوين الرئيسيةمنوعات

الدوبلاج السوري.. حين يتحول الفن إلى تجارة

تُعدّ مهنة الدوبلاج واحدة من أبرز الفنون الصوتية التي ساهمت في إيصال المحتوى البصري الأجنبي إلى الجمهور العربي، ولا سيّما في سوريا، التي برزت كمركز إقليمي لهذا الفن منذ عقود.

فمنذ بداياتها في النصف الثاني من القرن العشرين، لعبت شركات الإنتاج السورية دوراً رياديّاً في دبلجة المسلسلات الكرتونية، والأفلام، والمسلسلات الأجنبية إلى اللغة العربية الفصحى، بأسلوب احترافي امتاز بالدقة والجودة العالية. وقد شكّل هذا الفن قاعدة جماهيرية واسعة، وترك أثراً كبيراً في الذاكرة الثقافية لجيل كامل من المتابعين في العالم العربي.

ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد، لا يزال فنانو الدوبلاج السوريون يُعرَفون بتميّزهم في الأداء، وقدرتهم على نقل المشاعر بدقة، ما منح الأصوات السورية مكانة خاصة في عالم الدوبلاج العربي.

انخفاض الجودة

لم تعد مهنة الدوبلاج كما كانت في السابق. ويقول السيناريست ومؤدي الدوبلاج مجد عبيسي لـ”الوطن”: “واجهت المهنة كثيراً من التقلّبات بسبب التذبذب في سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، ما أدى إلى خلافات بين الشركات والفنانين والفنيين، لذا اتجه الممثلون إلى الاصطفاف واللجوء إلى لجنة صناعة السينما والتلفزيون، مطالبين بتثبيت أجورهم لتقليل تفاوتها.

وبالفعل، تم تحديد نسب معينة لأجور الممثلين، ما حمّل شركات الإنتاج أعباءً كبيرة، حيث ارتفعت تكاليف وأجور مؤديي الصوت بشكل كبير، في حين ظلت أجور باقي أفراد الطاقم والفنيين غير مُجزية وغير مُوحّدة”.

وأضاف عبيسي: إن ما زاد الوضع سوءاً هو غياب الضوابط الخاصة بترخيص شركات الدوبلاج، فبعد أن كانت الشركات الاحترافية تنتج أعمالاً رائدة، ومع تبنّي شركة “نيتفلكس” للهجة السورية في الدوبلاج، دخل كثيرون إلى هذا المجال، ما أفسح المجال لغير المتخصصين للعبث بأساسيات المهنة والتعامل معها بعشوائية. وهذه الشركات الجديدة لم تلتزم باتفاقيات لجنة صناعة السينما والتلفزيون، ولا بأي معايير مهنيّة، فاستعانت بممثلين مغمورين أو قليلي الخبرة والمهارة، ما أدى إلى انخفاض الجودة، وتحولت المهنة من فن إلى تجارة، وأصبحت المنافسة تجارية بحتة قائمة على تخفيض التكاليف.

مسار مُنحدر

من جانبه، قال المخرج المتخصص في فن الدوبلاج نديم سليمان لـ”الوطن”: “المهنة أصبحت شبه محميّة بعد أن أُدرجت تحت غطاء نقابة الفنانين قبل سنوات، وإن كانت تلك الحماية اسمية فقط. فشركات الدوبلاج تستقطب الأعمال من دول خارجية عبر وسطاء، يستحوذون على ما يزيد على 70 بالمئة من المبالغ المدفوعة، ما لا يترك هامش ربح حقيقياً للشركات، وبالتالي يتم التعدي على أجور الفنانين والفنيين والعاملين في إنتاج هذه الأعمال، فدخلت المهنة في مسار مُنحدر”.

وناشد سليمان الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارتا الإعلام والثقافة، إلى جانب نقابة الفنانين ولجنة صناعة السينما والتلفزيون، لوضع ضوابط واضحة وصياغة تشريعات تحمي حقوق العاملين في هذا القطاع. وأوضح أن الشركات، في سبيل إرضاء الوسطاء وضمان استمرار حصولها على الأعمال، تلجأ إلى تقليص أجور العاملين، والتوجّه إلى الاستعانة بأشخاص أقل خبرة لتقليل النفقات. وفي حال طالب أحد الممثلين أو الفنيين الذين قضوا سنوات طويلة في هذا المجال بأجر يتناسب مع خبرته، يُخيّر بين القبول بالشروط الجديدة أو مغادرة العمل، لأن البدائل متوافرة وبأجور أقل .

مصعب أيوب

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن أون لاين
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock