الدولار يواصل الصعود.. والليرة في اختبار الثقة

يشهد سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية مؤخراً ارتفاعاً متتالياً، ليتجاوز أحياناً الـ12000 ليرة للدولار الواحد.
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي يرى أن هذا الارتفاع لا يبدو انعكاساً لتوازن طبيعي بين العرض والطلب، بل هو نتاج خلل في الثقة النقدية. فسياسة تقييد السيولة التي ينتهجها مصرف سوريا المركزي تهدف نظرياً إلى كبح التضخم، لكنها عملياً تقلّص حجم التداول بالليرة وتدفع الناس نحو الدولار كأداة تحوّط. هذا يعني أن السوق لا يعاني من فائض في الطلب على الدولار بقدر ما يعاني من نقص في الثقة بالليرة نفسها.
الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء، وإن كانت محدودة، تعكس انقساماً في الرؤية بين المركزي والمجتمع الاقتصادي. فالسوق لا يصدّق السردية الرسمية، خاصة في ظل غياب إجراءات ملموسة تواكب التصريحات حول “استبدال العملة” أو “ضبط السيولة”. لذلك، يمكن القول إن السعر الحالي للدولار مبالغ فيه جزئياً، ويعكس مخاوف نفسية أكثر مما يعكس واقعاً اقتصادياً ملموساً.
ما العوامل الجوهرية وراء استمرار تراجع الليرة؟
ولفت إلى انه ورغم بعض المؤشرات الإيجابية التي تروّج لها الجهات الرسمية، فإن الليرة السورية تواجه ضغوطاً هيكلية ونفسية متراكمة. أولاً، ضعف الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الاستيراد يخلقان طلباً دائماً على الدولار، في حين أن العرض يظل محدوداً بسبب العقوبات الدولية والعزلة المالية.
ثانياً، غياب الشفافية في السياسة النقدية يضعف قدرة المركزي على توجيه التوقعات. فالسوق لا يملك معلومات دقيقة حول حجم الاحتياطي أو آليات التدخل، ما يفتح المجال للتكهنات والذعر. التصريحات حول استبدال العملة، مثلاً، أثارت مخاوف من فقدان المدخرات، ودفع الناس إلى تحويل الليرة إلى الدولار كملاذ آمن.
ثالثاً، الاقتصاد غير الرسمي يهيمن على التداول، ما يجعل أدوات المركزي النظرية غير فاعلة. فحين تكون معظم العمليات خارج النظام المصرفي، يصبح ضبط السوق شبه مستحيل. يضاف إلى ذلك غياب سردية وطنية اقتصادية موحدة، ما يجعل الليرة عملة بلا غطاء معنوي أو مؤسسي.
تأثير تقلبات سعر الصرف على الأسعار والمعيشة، وأدوات المركزي
واعتبر قوشجي ان كل تقلب في سعر الصرف ينعكس مباشرة على أسعار السلع المستوردة، التي تشكل جزءاً كبيراً من سلة الاستهلاك اليومية. ومع ارتفاع الأسعار، تتآكل القدرة الشرائية، خاصة في ظل جمود الأجور. هذا التضخم لا يقتصر على السلع المستوردة، بل يمتد إلى المنتجات المحلية عبر ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، ما يوسع الفجوة الاجتماعية ويزيد من معدلات الفقر.
مضيفاً: أما أدوات المصرف المركزي، فهي متعددة نظرياً: التدخل المباشر عبر ضخ الدولار، رفع سعر الفائدة على الليرة لجذب الطلب، ضبط السوق السوداء، وتحسين الشفافية في نشر البيانات. لكن فاعلية هذه الأدوات مشروطة بثلاثة عناصر أساسية: وجود احتياطي نقدي كافٍ، استقلالية حقيقية في القرار النقدي، وسردية اقتصادية وطنية تعيد الثقة بالليرة. من دون هذه العناصر، تبقى الأدوات مجرد نظريات غير قابلة للتطبيق العملي.
وتوقع أستاذ الاقتصاد تجاوز حاجز 12,000 ليرة سورية للدولار الواحد، والسيناريو المتوقع لسعر الصرف مع بداية تبديل العملة هو انخفاض سعر صرف الليرة السورية لمستوى 15,000 – 20,000 ليرة للدولار الواحد.
ويؤكد الدكتور قوشجي أنه إن لم يستعد مصرف سوريا المركزي دوره الحقيقي في إدارة السيولة واستخدام السياسة النقدية وجذب العملات الأجنبية للجهاز المصرفي، فسيبقى سوق الظل يتحكم بالمقدرات الوطنية وبمعيشة المواطنين.
الوطن – محمد راكان مصطفى