العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

الرئيس الشرع وقواعد التعامل مع إسرائيل

مما لا شك فيه أن السياسة السورية تدخل اليوم مرحلة مختلفة في مقاربة الملفات الإقليمية، ولاسيما العلاقة مع إسرائيل، وذلك في ظل رؤية أكثر هدوءاً وتنظيماً يقودها الرئيس أحمد الشرع.

فبينما كانت العلاقة محكومة لسنوات طويلة بتوازنات متقلّبة وخطاب شديد الحساسية، تتجه دمشق اليوم نحو نموذج جديد من الإدارة السياسية، لا يلغي الثوابت ولا يختزل الموقف الوطني، لكنه يسعى إلى إعادة ترتيب الأولويات وفقاً لاعتبارات الداخل السوري ومتطلبات إعادة بناء الدولة.

المتابع للمشهد الإقليمي يدرك أن سوريا في عهد الرئيس الشرع لا تنظر إلى ملف إسرائيل بمعزل عن القضايا الأخرى، بل ضمن إطار أوسع يعيد موضعة الدولة في بيئتها الإقليمية والدولية، ويمنحها القدرة على إدارة التحديات بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

التفاوض أداة ضبط

ما يلفت الانتباه في السياسة الجديدة هو اعتماد التفاوض غير المباشر كوسيلة لضبط الإيقاع الأمني، فالرئيس الشرع يستخدم التفاوض كأداة تقنية لتخفيف حدّة التوتر وتجنب الانزلاق إلى أوضاع غير محسوبة.

هذا الأسلوب لا يعدّ خروجاً عن الثوابت، بل هو إعادة تعريف لطريقة إدارة الصراع، حيث تتحول الدبلوماسية من “بديل القوة” إلى “أحد أشكال القوة”، خصوصاً حين تكون الدولة في طور إعادة البناء.

تجنّب الحرب: عقلانية إستراتيجية

تجنّب المواجهة العسكرية يشير في قراءة دقيقة إلى أن هذا الخيار هو نتاج تحليل متزن للظروف الإقليمية والقدرات الوطنية، ففي وقت تعمل فيه سوريا على ترميم مؤسساتها وتعزيز قوتها الداخلية، يصبح الانخراط في مواجهة واسعة أمراً غير منسجم مع أولويات المرحلة، فالرئيس الشرع يدرك أن الصراع لا يُدار فقط بالسلاح، بل أيضاً بالوقت، والاقتصاد، والدبلوماسية، والقدرة على اختيار لحظة المواجهة وظروفها.

إن الابتعاد عن الحرب هنا ليس انكفاءً، بل توظيف مدروس للقدرات، ومنع للخصوم من استغلال اللحظات التي قد يكون فيها الوضع الداخلي بحاجة إلى تعزيز أكبر.

تفعيل العلاقات الإقليمية تعزيز للنفوذ

يحرص الرئيس الشرع على إعادة إدماج سوريا في بيئتها السياسية عبر فتح قنوات مع دول مؤثرة مثل تركيا والسعودية وغيرها، من دون الوقوع في محاور مغلقة.

هذا الانفتاح ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل هو وسيلة عملية لتوسيع هامش المناورة السورية في الملفات الإقليمية، بما في ذلك ملف الجنوب السوري الذي يرتبط بشكل مباشر بالحركة الإسرائيلية.

وهنا يمكن القول إن قدرة الدولة على ممارسة الضغط أو التخفيف لا تأتي فقط من قوتها الذاتية، بل من حجم شبكة العلاقات التي تمتلكها، ويبدو أن دمشق اليوم تعود تدريجياً لاستعادة هذا الدور بعد سنوات من الانقطاع.

وحدة الدولة: الأولوية العليا

من يراقب خطوات الرئيس الشرع يدرك أن أولويته الأهم وحدة الجغرافيا السورية، فالتهديد الأكثر خطورة في نظر الدولة اليوم هو أي مسعى لتمزيق النسيج الوطني أو إنشاء كيانات موازية للسلطة المركزية، سواء في السويداء أم شرق الفرات.

ومن هنا، يصبح التعامل مع إسرائيل جزءاً من معادلة أشمل عنوانها: منع أي تدخل خارجي يُضعف الدولة أو يشجع النزعات الانفصالية، لذلك فإن هذه المقاربة تضع استقرار سوريا ووحدة مؤسساتها في المرتبة الأولى، باعتباره الأساس الذي تُبنى عليه كل السياسات الأخرى.

في النتيجة، فإن السياسة التي ينتهجها الرئيس الشرع محاولة لإعادة صياغة الدور السوري وفق ظروف المرحلة، ووضع الدولة على مسار أكثر استقراراً وقدرة على التأثير.

التفاوض، وتجنب الحرب، والانفتاح الإقليمي، وترسيخ وحدة الدولة ليست خطوات متفرقة، بل هي أجزاء من رؤية واحدة تتلخص في استعادة سوريا كدولة قوية، مستقرة، وفاعلة في محيطها، وقادرة على إدارة صراعها مع إسرائيل من موقع حسابي مدروس لا من موقع رد الفعل.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock