مقالات وآراء

«السلطة الرابعة» ضد ترامب

خلال حملة مكتب التحقيقات الفدرالي الرامية لإجبار الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون على تقديم استقالته، نسبت وسائل الإعلام الأميركية لنفسها، في ذلك الحين، لقب «السلطة الرابعة»، بما يعني أن أصحابها كانوا يعتقدون أنهم يتمتعون بشرعية تفوق شرعية الشعب.
وباقتفاء ذلك النموذج، أطلقت وسائل الإعلام الأميركية وحلفاؤها، المنتشية بمشاعر القوة، حتى قبل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حملة ترمي إلى استقالته، وبعيداً عن الخضوع للضغوط، وبادراك جيد لخطورة التحالف بين وسائل الإعلام و98 بالمئة من كبار المسؤولين الذين صوتوا ضده، أعلن ترامب «الحرب على وسائل الإعلام»، بعد أسبوع من تنصيبه، لتعود سعفة سوء النية لدى محطة «سي. إن. إن» الأميركية إلى الواجهة، مركزة على اتهامه بالتآمر مع روسيا بطريقة فيها الكثير من الهلوسة المرضية.

لكن سرعان ما اضطرت القناة التلفزيونية إلى الاعتذار إثر تحقيق صحفي اتهمت فيه أحد أقرباء الرئيس، المصرفي أنتوني سكاراموتشي، بتقاضي راتب بشكل غير مباشر من موسكو.

اعتذرت «سي. إن. إن»، واستقال ثلاثة من محرري قسم التحقيقات التابع لها، ثم أتى بعد ذلك «مشروع الحقيقة» للصحفي جيمس أوكيفي الذي نشر ثلاثة مقاطع فيديو، كان قد التقطها بكاميرا مخفية، يظهر في المقطع الأول أحد المشرفين على القناة، وهو يضحك داخل المصعد الكهربائي قائلا: إن الاتهامات الموجهة للرئيس بالتواطؤ مع روسيا هي مجرد هراء، تم بثها للجمهور، أما في المقطع الثاني، فيؤكد أحد المذيعين النجوم، ومستشار سابق للرئيس باراك أوباما، أنهم جميعاً ضحلون، وفي المقطع الأخير، يقول أحد المنتجين: إن دونالد ترامب مختل عقليا، وأن ناخبيه أغبياء أكثر من الروث.

ردا على ذلك، أرسل الرئيس مونتاج فيديو تم تحقيقه انطلاقا من صور، لم تستخرج من أفلام الوسترن، بل تعود إلى مسؤولياته في رابطة المصارعة، حيث نراه يقلد تحطيم وجه صديقه فينس ماكماهون، زوج سكرتيرة شركاته الصغرى، الذي كان مغطى بشعار «سي. إن. إن» لينتهي كل شيء بشعار لـ«سي. إن. إن» متعطش للأخبار الكاذبة، أي شبكة الاحتيال الإعلامي.

بذاءة التغريدات الرئاسية ليس لها أي علاقة مع الجنون، كان ريتشارد نيكسون أكثر فحشا من ترامب، ولم يعبه في أن يكون رئيساً عظيماً، وفي المقابل، لا تعني شخصيته المتهورة، أن الرئيس هو كذلك.

لكن في الواقع، غالبا ما تكون ردود فعل ترامب على كل موضوع، عبر تغريدات عدوانية، يطلق فيها أفكارا في كل الاتجاهات، لا يتردد في التناقض مع نفسه بين تصريح وآخر، لكنه يراقب كل ردود الفعل التي تحدثها أفكاره.

أخيراً، وبعد أن يكون قد كوّن رأيا شخصيا، يلتقي مع الطرف المعارض لأفكاره ويتوصل عموماً إلى اتفاق معه، تلك هي طريقته في تعلم السياسة، وإيجاد حلول للمشكلات المطروحة.

بطبيعة الحال، يمكن للمرء أن يأخذ بعض تصريحاته المثيرة للجدل على محمل الجد، واعتبار بعضها صادمة، وتجاهل تلك التي تقول خلاف ذلك، لكن ينبغي علينا ألا نخلط بين أسلوب ترامب وسياسته، ويجب علينا بدلا من ذلك التمعن بدقة بقراراته ونتائجها.

يبقى السؤال مطروحا: إلى أي حد يمكن أن تصل هذه المواجهة بين البيت الأبيض ووسائل الإعلام، وبين دونالد ترامب، ونفوذ بعض قوى المال؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock