مقالات وآراء

بانتظار شهر عسل أميركي إيراني: نتنياهو وأردوغان والمصير المرتبك

قد لا نتوه في الأسباب التي جعلت المواطن العربي لا يكترث للخبر القائل إن الكيان الصهيوني جنّد «ولا يزال» شخصيةً عربية نافذة قد تصل إلى لقب «زعيم» لتنفيذ المشيئة الإسرائيلية فقدم لها خدمات جلية. في الواقع هي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجنيد رئيس أو أمير عربي للعمل لمصلحة إسرائيل، فالتاريخ يعلمنا أن الكيان الصهيوني سابقاً قام بتعيين رئيس وهو اللبناني سيئ الذكر «بشير الجميل» الذي يتم نعته عبر بعض ما يسمى بالإعلام المقاوم «الشهيد». كذلك الأمر فإن كلمات الإطراء والمجاملات بين ملك شرقي نهر الأردن السابق الحسين بن طلال ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين ليلة توقيع اتفاق وادي عربة استفزت الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ليسألهما عن تاريخ العلاقة بينهما، ليكتشف أنها تمتد لعقود وحتى ما قبل حرب 1967. ثم ماذا عن عرّاب كامب ديفيد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات؟ ألم يكن وصوله للسلطة أساساً اختراقاً لإرث جمال عبد الناصر وضربة تحت الحزام لكل المؤمنين بالمشروع القومي العربي، وما زلنا نحصد نتاج كوارثه حتى يومنا هذا؟
هذا في العلن، أما إن تحدثنا في السر فإن الدول التي قد يستثنى قادتها من الاتصال مع إسرائيل قد لا تتجاوز نصف عدد أصابع الكف الواحد، لدرجة نتجاوز فيها خبراً كهذا لنذهب إلى ما هو أهم: ماذا عن توقيت تسريبات كهذه لا يشبهها إلا مسرحية تسريبات ويكيليكس التي لا يزال هناك من يظن أنها تسريباتٌ خرجت من دون علم الولايات المتحدة؟ لعلّ نظرة واحدة للنتائج التي أدت إليها ويكيليكس ستعطينا الفكرة عن أسباب نشرها، فهل يريد الإسرائيليون استنساخ السيناريو؟
ربما بدت قيادة الحرب الإسرائيلية بحاجة إلى قنبلة ما تشغل الشارع العربي بعيداً عن انتكاستها الأخيرة في الجنوب اللبناني ورد المقاومة المزلزل في عمق الأراضي المحتلة، لكنها بغباء اختارت آخر ما يمكن أن يشغل بال المواطن العربي.
في الوقت ذاته قد تبدو قيادة الحرب الإسرائيلية تلعب لعبة الابتزاز مع الزعيم المذكور، فأعلنت صراحةً أن هناك من يعمل لمصلحتها، لكن بنظرة منطقية فإن العالم العربي اليوم لا يبدو أنه يملك ذاك الزعيم الذي يعتبر خدماته لإسرائيل هي أسرار محفوظة، فدول المغرب العربي بعيدةً عن هذا الصراع، والعراق ولبنان ليس فيهما ما يسر الناظرين، الأردن ومصر أساساً يرتبطون بعلاقات مع إسرائيل، بل إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن صراحةً أن أمن المواطن الإسرائيلي من أمن المواطن المصري، لتبقى الدائرة حول منطقة الخليج تقودنا إلى مشيختي قطر والسعودية، لكن بكلتا المشيختين لا يبدو أن هذا التطبيع مثار اهتمام لأنهما أساساً مكشوفتان للإسرائيلي، فهل يعني هذا الأمر أن الإعلان الإسرائيلي صورة محدثة عن الصراع السعودي القطري؟
ربما هو كذلك، هذا الأمر قد يدعم فكرة الاعتقاد بأن السعودية تقف خلف هذه التسريبات، و«الزعيم» المقصود عملياً هو أمير قطري تمثّل مشيخته الذراع المالية لحركة الإخوان المسلمين المجرمة، ولعل الهدف من نشر هذه المعلومات هو الفشل الذي تعانيه سياسة النظام الإخونجي في كل من قطر وتركيا بلجم الجناح العسكري لحركة حماس، تحديداً أن إسرائيل لا تنظر لمغادرة حماس لدمشق كانتصار، باعتبار أن الجناح السياسي الذي كان بحماية دمشق لم يعد له أي تأثير في الجناح العسكري الذي فيما يبدو وكأنه ما زال يتمتع بالاستقرار المطلوب، على هذا الأساس فإن إسرائيل تريد أن تلعب مع القطريين لعبة جديدة أو أن السعودية اشتمت رائحة التهدئة فباتت تسعى عملياً إلى إعادة ترتيب الأولويات بما فيهم آلية خلافها مع قطر، حتى لو كان ذلك عبر شراء الملفات المتعلقة بالقطريين، فكيف ذلك؟
في الأسبوع الماضي تحدثنا عن ارتفاع حظوظ التهدئة مقابل تراجع حظوظ الصدام، هذه الفكرة دعمها توالي الأحداث، فإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إقالة جون بولتون من منصبه كمستشار للأمن القومي لا يخرج عن هذا السياق، تحديداً أن الجميع كان ينظر لتعيين بولتون بالفريق الترامبي كما لو أن ترامب يشكل حكومة حرب مبنية على الصقور. سقط وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس وسقط بولتون، حتى المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات المعني بتنفيذ ما يسمونها «صفقة القرن» أطيح به للمجيء بـ«ولد» مغمور. أحداثٌ قد تعطينا صورة بأن فكرة صفقة القرن باتت أبعد من الثلاجة، وفي السياق ذاته بدت الحرب مع كوريا الديمقراطية أبعد من الخيال، أما في الحالة الإيرانية فإن الوقائع تأخذنا إلى ما هو أبعد من «شهر عسل» قادم بين الإيرانيين والأميركيين.
القصة لا تتوقف هنا، بل إنه وقبل الزيارة التي قام بها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى موسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين تحدثت معلوماتٌ صحفية عن قيام مقاتلات روسية باعتراض مقاتلات إسرائيلية كانت تهدف إلى شنّ هجوم على ما يسمونه «معسكراً لفيلق القدس الإيراني في سورية». كما جرت العادة فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي نفى وقوع الحادثة، لكن نفيهم هذا لا يشبهه إلا نفيهم المتكرر لعدم وجود ردود من محور المقاومة على عدوانهم، أو بأسوأ الأحوال عدم سقوط قتلى ليكذّبوا أنفسهم بعد فترة بإعلانهم مقتل عسكريين بحوادث سير!
نتنياهو عملياً أخفق خلال الزيارة بالحصول حتى على الدعم الانتخابي الصوري، فكيف بالدعم الذي كان ينتظره بما يتعلق بتعويم فكرة «الخطر الإيراني» في سورية؟
إن السجال الروسي الإسرائيلي حول العديد من الخلافات التي ظهرت خلال لقاء بوتين نتنياهو تأخذنا إلى مسلّمتين:
الأولى أن جو التهدئة يجب أن يبقى مصوناً حتى لو اضطرت المقاتلات الروسية للتدخل، إلا أن كانت المنغصات تنطلق من عمق الأراضي المحتلة، الثانية أن الروس عملياً ما كانوا ليقدموا على خطوات كهذه لو لم تكن ضمن إطار التفاهمات الروسية الأميركية الأشمل التي فيما يبدو كأنها تسير بهدوء، ليبدو أشدّ المتضررين منها جهتين:
الجهة الأولى، رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان: بواقعية تامة يبدو رئيس النظام التركي الحلقة الأضعف في كل ما يجري، القضية ليست فقط بما يعانيه من انشقاقات حزبية، هذا الأمر يبدو تفصيلاً صغيراً، فهو لن يتخلى عن السلطة ديمقراطياً حتى لو دخلت تركيا حرباً أهلية، القضية الأهم تبدو لديه إمكانية التمسك بإدلب لأن خروجها من بين يديه سيعني عملياً ضياع حلمه السوري إلى الأبد، تحديداً أن الفكرة كانت قائمة على تشكيل ذاك الحزام من عين ديوار شرقاً وصولاً إلى راجو في الشمال الغربي حتى بداما في الجنوب الغربي، وسقوط إدلب يعني عملياً سقوط الورقة الأهم ومن ثم تبقى المنطقة العازلة التي تم تشكيلها تحصيل حاصل، وخاصةً أن الأميركي ذات نفسه لا يعيرها أهمية، بل هناك رفضٌ رسمي من قبلهم حتى لزيادة عدد القوات الأميركية، على العكس هم يلمحون لتخفيضها. على هذا الأساس يتجسد الصراخ التركي ودعوة الأوروبيين للمساعدة وتهديدهم بطوفان اللاجئين، لكن هل حقاً إن الأوروبيين مقتنعون أن في إدلب 4 ملايين نسمة؟ هل سيتعظون أم سيخضعون للابتزاز من جديد؟
الجهة الثانية، بنيامين نتنياهو: حال نتنياهو لا يختلف عن حال زميله في التطرف رجب طيب أردوغان، وهو فيما يبدو ينتظر تكرار السيناريو الفرنسي في الانتخابات عندما أوعزت الأحزاب لمناصريها بالتصويت لإيمانويل ماكرون لتجنب وصول مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين إلى السلطة، لكن الفرق هنا وهناك شاسع، حتى اليمين المتطرف الفرنسي هو أكثر عقلانية وسلام من عتاة السلام في الكيان الغاصب، ولعله بدل انتظار السيناريو الذي أتى بماكرون إلى الرئاسة، يبدو أنه ينتظر سيناريو الفساد والهزيمة الذي قاد رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت نحو السجن، أما بما يتعلق بالقيادات فلا فرق بين الإجرام الذي يمثله أفيغدور ليبرمان والإجرام الذي يمثله باقي المرشحين، الفرق الوحيد فقط أن وصول الأكثر تطرفاً قد يعجّل بالنهايات السعيدة، فهل سيطول الأمر؟
ربما علينا أن ننتظر اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، قد تحمل الكثير من السيناريوهات التي كانت قبل أسابيع مجرد أحلام، لننتظر ونشاهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock