العناوين الرئيسيةمنوعات

بعد أن استُخدمت أداة للترويج للإيديولوجية الحاكمة.. كيف تصبح المؤسسة العامة للسينما ناطقة باسم الوطن؟

تعدّ السينما أقوى الوسائل التي تسهم في تشكيل الوعي الجماعي وتوجيه الرأي العام في المجتمعات.

وقد شهدت العديد من الدول تحولات كبيرة في مجال صناعة الفن السابع، سواء من خلال تطور الإنتاجات أم التغييرات في إيديولوجية المؤسسات السينمائية نفسها.

وفي السياق السوري، الذي عانى استبداداً وقمعاً، يبقى السؤال حول كيفية إعادة صياغة دور المؤسسات السينمائية بعد التغيير السياسي من أبرز القضايا التي تستحق النقاش.

ينبغي أن يُبنى هذا التغيير على إيديولوجية جديدة تعكس الاحتفاء بالوطن بكل تاريخه وتنوعاته، وتقدّم أعمالاً سينمائية تلامس واقع الناس وتطلعاتهم.

كما يجب أن تكون المؤسسة منارة للحرية الفكرية والإبداع، ومكاناً يحتفل فيه بتعدّد الأصوات وتنوّع القصص.

دور محوري

تأسست المؤسسة العامة للسينما أواخر عام 1963، وقد لعبت دوراً مهمّاً في الإنتاج السينمائي السوري، وخاصة خلال حقبة الستينيات والسبعينيات، والتي تُعرف بـ “العصر الذهبي للسينما السوريّة”.

وكان لها دور محوري في تطور السينما السورية على مدار العقود، من خلال الدعم المستمر والإشراف على صناعة الأفلام.

وقدّمت بيئة خصبة للفنانين والمُبدعين لتطوير مشاريعهم السينمائية، ما سمح للسينما السورية بالظهور على الساحة العربية والعالمية بأعمال متميّزة ومتنوعة.

لكن المؤسسة اسُتخدمت بعد اندلاع الثورة السوريّة عام 2011 كأداة للترويج للإيديولوجية الحاكمة، وسعت معظم الأفلام التي أنتجتها إلى تعزيز الولاء للنظام البائد، وكان لها دورٌ بارزٌ في نشر الثقافة الرسمية التي تتماشى مع توجهات هذا النظام.

باسم الوطن

لكي تصبح المؤسسة ناطقة باسم الوطن، يجب أن تركّز السينما على تنوّع الهوية الثقافية والوطنية للشعب السوري.

ينبغي أن تعكس تاريخ البلاد بكل فصوله، بما في ذلك معاناتها وآمالها وتضحيات شعبها.

يجب أن تصبح السينما أداة تعليمية تُستعرض من خلالها البطولات الشعبية وتاريخ الوطن الحقيقي، بعيداً عن تاريخ النظام الحاكم.

ويجب أن تتحرر المؤسسة من أي تأثير سياسي مباشر يفرض عليها أجندة معيّنة. فالسينما ليست أداة لتسويق خطاب سياسي ضيق، بل وسيلة للتعبير عن المساهمات الاجتماعية والثقافية للأفراد والجماعات.

موضوعات متنوعة

ومن أبرز التوجّهات التي يجب أن تتبعها المؤسسة العامة للسينما هو دعم المشاريع السينمائية بمختلف تنوعاتها، وخلق بيئة تسهم في تطوير صناعة سينمائية متنوّعة تُقدّم قصصاً تتسم بالعمق والإبداع.

وهذا سيتطلب فتح المجال أمام المخرجين، والكتّاب، والفنانين الشباب للتعبير عن رؤاهم بحرية، من دون الخوف من الرقابة.

مع التحولات الديمقراطية، من الضروري أن تتنوّع موضوعات السينما.

كما يجب أن تسلّط  الضوء على تاريخ نضال الشعب السوري في وجه النظام الاستبدادي، ما يُعزّز الوعي الجماعي بأهمية الحريات الشخصية والعامة.

تأهيل الكوادر البشرية

سابقاً، لم يكن هناك مجال كبير للإبداع أو التطوير الشخصي للعاملين في قطاع السينما. لذلك يجب أن تُعطى الأولوية لتطوير مهارات العاملين في المجال السينمائي من خلال ورش تدريبية، ومبادرات للتعلم المستمر، مع تشجيع التعاون الدولي مع صنّاع أفلام عالميين.

ولإعادة بناء الثقة مع الجمهور، يجب على المؤسسة أن تُظهر التزامها بالجودة الفنية وتقديم أعمال تلامس هموم الناس وتناقش قضاياهم.

ينبغي أن تكون هناك شفافية في عمليات الإنتاج بحيث يصبح الجمهور جزءاً من العملية الإبداعية.

الوحدة الوطنية

من خلال السينما، يمكن تسليط الضوء على التنوع الثقافي والديني والعرقي في المجتمع، ما يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية.

يجب أن تركّز الأعمال السينمائية على تعبيرات مشتركة تجمع بين جميع مكوّنات المجتمع، مع تجنّب خطاب التحريض أو الفتن.

ويمكن للسينما أن تسهم بشكل كبير في إحياء الثقافة الشعبية من خلال توثيق التقاليد والفنون المحليّة وتقديمها بطريقة عصرية.

وهذا يمكن أن يساعد في بناء هوية وطنية غنية ومتنوعة، ويُعزّز التقدير للفنون والتقاليد المحلية.

حملات توعوية

يجب تخصيص حملات توعوية لتعليم الجمهور فنون السينما وكيفية نقدها بشكل موضوعي. وذلك سيُعزّز من وعي الجمهور وإقبالهم على السينما الوطنية.

كما يمكن تنظيم مهرجانات سينمائية محلية لعرض الأفلام المستقلّة ومناقشة موضوعاتها.

من المهم أيضاً أن تُنشئ المؤسسة العامة للسينما صالات عرض حديثة ومتطورة تعكس الجماليات السينمائية المعاصرة.

كما أن ذلك يساعد في جذب جمهور الشباب الذين يُفضّلون استخدام منصات العرض الحديثة.

تعاون عالمي

وأخيراً، يجب على المؤسسة أن تسعى إلى بناء شبكة تعاون مع مؤسسات سينمائية عالمية من خلال المشاركة في مهرجانات سينمائية، إنتاج مشترك، وتبادل الخبرات.

ومن خلال هذه التعاونات، يمكن للسينما الوطنية أن تحصل على الاعتراف الدولي والانتشار في الأسواق العالمية.

يمكن أيضاً استضافة مخرجين، وممثلين، ومؤلفين من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في ورش عمل ومشاريع سينمائية.

وسيسهم هذا في تبادل الخبرات والنظريات الفنية التي تضيف قيمة حجقيقية للمشهد السينمائي المحلي.

الوطن – وائل العدس

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock