مقالات وآراء

بين نشوة «نتنياهو» وابتسامة «ترامب»: هل يُسقط الإيرانيون أحلام المتربصين؟!

إن الكتابةَ في الشأن السياسي وإن كان من الضروري أن تُبنى على ثوابتَ لا جدال فيها متعلقة بمفهومِ العدو من الحليفِ أو الصديق، فإن الواقعيةَ واحترامَ الكلمة قد يقوداننا يوماً ما لتوجيه لومٍ هنا أو هناك لمن هم حلفاء، هذا المنطق لا يعني بالضرورة أننا أخلّينا بثوابتنا تجاه الحليف، بل يشبه تماماً انتقادنا لأداء السلطتين التشريعية والتنفيذية في سورية المبني أساساً على الحرص بأن يكونا جناحين يحلِّق بهما طموح الشعب، لكن وبذات الوقت تقتضي المروءة أن نضعَ كل هذه الأمور جانباً عندما يكون حليفكَ بحالٍ من التشويش، فكيف وإن كان هذا الحليف دولةً بحجم إيران؟

بعدَ الفوضى التي ضربت كلاً من سورية واليمن وليبيا، اعتقدنا أن الشعوب أخذت درساً عملياً من حسابِ غيرها في كيفية تحولِهم إلى وقودٍ لإشعال أوطانهم، لكن هذا الفهم لا يزال بعيداً، لأن هذه الشعوب تبدو بمنطقِ تفكيرٍ مشترك، تحديداً عندما تترك للناطقين باسمها من الخارج أن يكونوا واجهاتهم السياسية، عندها فإنهم لا يضيعونَ الفرصةَ لتعاطفِ العقلاء معهم فحسب، بل ومن حيث لا يدرون يُعطون حكوماتهم وأجهزتها الأمنية وغير الأمنية فرصةَ التعامل معهم بالطرق التي تشرعها كل القوانين الدولية والأعراف الوطنية لحفظ الأمن.

في هذا السياق، قرر جزءٌ من الإيرانيين استعادةَ «روح ثورات الدم العربية»، فخرجوا بتظاهراتٍ لتحقيقِ مطالبَ محقة، بالتأكيد لسنا هنا لندافعَ عن الحكومةِ الإيرانية أو نقيِّمَ أداءها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لأنه شأنٌ داخلي لا يعنينا، لكن لو حللنا ردةَ الفعل الرسمية بما فيها كلام الرئيس حسن روحاني، فإن الحكومة الحالية فعلياً فشلت بشكلٍ كبير في هاتين السياستين، أو بتحقيق الحد الأدنى من وعودها، وما زاد الأمر تعقيداً أن هذا الفشل جاء بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وهو اتفاق عوَّل عليه الإيرانيون لجعلهِ منطلقاً أساسياً للازدهار الاقتصادي بعدَ عقودٍ من الحصار المبني على عاملين أساسيين، استعادة الأرصدة المجمّدة في البنوك الغربية، والانفتاح الاقتصادي الغربي على إيران وتحولها إلى نقطة جذبٍ للاستثمارات الأوروبية، لكن يبدو أن كل هذا لم يتحقق وهو ما عناه الرئيس روحاني عندما أكد «ضرورة الالتفات إلى مطالب المواطنين بشأن مشاكل المعيشة، وأن المتظاهرين ليسوا جميعهم مدعومين من الخارج»، وهذا يعني اعترافاً بأن هذه التظاهرات مبررة، لكنه وضع الكرة في ملعب المتظاهرين، فإذا كنتم فعلياً قد خرجتم لأن لديكم مطالبَ محقة فنحن معها، لكن حتى في التظاهر هناك حقوق وواجبات، إما أن يحترمها المتظاهر أو أن ينسحبَ منها عندما تأخذ مناح ثانية كالدعم الخارجي من أعداء إيران، أو تحولها إلى مادة إعلامية لمشاهد القتل والتخريب، فهل تساهم هذه الدعوة بالفرز بين أصحاب المطالب، وبين المرتبطين بأجنداتٍ خارجية؟

منذ اندلاع الاحتجاجات نهاية الأسبوع الماضي دأبت وسائل الإعلام الغربية والعربية ذات التوجهات البترودولارية على التأكيد أن هذه الاحتجاجات هي امتداد للاحتجاجات التي اندلعت في إيران عام 2009، هم يريدون القول إن النظام الأمني في إيران مضطرب منذ سنوات وهو أمر لا يبدو منطقياً لأن التظاهرات يومها كانت احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز أحمدي نجاد بالولاية الثانية، أي إنها قد تكون من تنظيم الإصلاحيين ذات أنفسهم الذين يحكمون اليوم ممثلين بالرئيس حسن روحاني، وهي بالنهاية دليل وجود حياة سياسية حية في إيران وليس العكس، لكن وبواقعيةٍ تامة فإن هذه المغالطة لا تقل عن المغالطة التي كان يكررها صحفيون ومحللون سياسيون محسوبون على إيران عندما كانوا يعتبرون أن احتجاجات 2009 هي نقطة البداية لما يسمى فوضى «الربيع العربي» والإيرانيون يومها أسقطوه، لأن توالي الأحداث لم يثبت فقط بأن هذه النظرة قاصرة بفعلٍ تخديري، لكنه منح الغرب انتصاراً وهمياً، فإذا كان هو من يقف خلف تظاهرات 2009 فكيف وصل الإصلاحيون الذين اعترضوا على نتائج الانتخابات يومها للسلطة بعد ذلك وهم مرتبطون بالغرب؟!

بالمنطق هناك فرق بين تظاهرات 2009 التي كانت ردة فعل شعبية للمنهزمين انتخابياً، وهي نقطة تسجَّل لإيران لا عليها وليست بحاجة لتبرير، وبين مظاهرات اليوم التي ومن يومها الثالث بدأت بالقتل والتخريب للأماكن العامة، فهل هي فعلياً بداية «ربيع دموي في إيران»؟ وبمعنى آخر:
لم يخف أعداء إيران أبداً سعيهم لزعزعتها، القضية لم تبدأ مع مؤتمر ما يسمى المعارضة الإيرانية في باريس والذي كان برعاية «آل سعود»، ولن ينتهي أبداً بتهديدات ولي عهد «آل سعود» بنقل المعركة إلى إيران، والسؤال ليس عن قدرة هؤلاء على الدفع بما تبقى من شعوبٍ نحو المجهول، بل القدرة التي يمتلكونها لزعزعة الوضع الإيراني؟

للإجابة على هذا السؤال علينا أن نتعاطى مع ما يجري في إيران من بعدين أساسيين: البعد الأول وهو العمق العربي للحدث الإيراني، هنا قد نتفهم مثلاً أن يتفرغ إعلام البترودولار للحديث عن قرب إسقاط النظام في إيران، وقد لا نستغرب مثلاً الحديث عن انشقاقات هنا وهناك، بل وقد نتفهم حرص ملك الزهايمر السعودي على «حقوق المتظاهرين»، لكن أن يتبرع الإعلام المصري مثلاً للدخول في هذه المعركة هو أمر لا يدعو للاستغراب بل للشفقة، لنتخيل مثلاً أن هذا الإعلام يتناسى المعنى «الجيوسياسي» لزيارة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان للسودان وحصوله على حق إدارة إحدى الجزر الإستراتيجية في البحر الأحمر، وما يعنيه استمرار حصار مصر عبر سد النهضة الإثيوبي، والإرهاب في سيناء وملايين المصريين الذين يعيشون في المقابر ليحدثنا عن «المطالب المحقة للشعب الإيراني»، وهذا الهروب للأمام وممارسة سياسة النعامة، لن تجدي نفعاً، فالإيرانيون لا يتابعون هذا الإعلام المهترئ، أي إنه لا تأثير عملياً للبعد العربي في الأحداث الإيرانية حتى اعتبار البعض أن ابن سلمان سيفاوض الإيرانيين على اليمن، لا يقابله إلا من كان في الجهة المقابلة يصدع رؤوسنا خلال السنوات الماضية بأن إيران تمتلك سلاحاً استراتيجياً ضد «آل سعود» وهو الدفع بسكان المناطق الشرقية في الحجاز للتظاهر، وتناسى أن هكذا توصيف يسيء لسكان هذه المنطقة أكثر ما يخدم الدعاية المجانية لإيران.

أما البعد الثاني فهو الغربي، هنا علينا العودة لبدايةِ الأحداث في سورية، يومها وحتى صيف 2012 كان الإسرائيليون كما ممثليهم في قوى الرابع عشر من آذار اللبنانية، يكررون عبارة متفق عليها: لن نتحدث عما يجري في سورية لأنه شأن داخلي، ربما كانت خدعة ذكية منهم لرفع الشبهات عن المعارضة السورية وارتباطاتها إلى أن تكشفت الأمور وبلسانهم، من زيارات معارضين سوريين للكيان الصهيوني وصولاً لاعتراف سعد الحريري ذات نفسه بالتورط بالحرب السورية، لكن بدا الحدث الإيراني مختلفاً إذ إن رئيس وزراء العدو لم يأخذ أكثر من يومٍ واحد ليخرج بكلمة يصف المتظاهرين فيها بالأبطال والتطلع للصداقة معهم بعد سقوط النظام، بل إن سرعة بنيامين نتنياهو بتأييده للاحتجاجات قد يستخدمها أعداء إيران بعد فشلها بالقول: إن دعم نتنياهو أساساً كان لشيطنةِ الحراك، وهو يثبت ارتباط النظام الإيراني بـ«إسرائيل» وهناك من سيصدقهم.

سرعة نتنياهو لم تختلف عن سرعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي صرح بأنه حان وقت التغيير في إيران، بالتأكيد لم يشرح لنا عن أي تغيير يتحدث، هل هو بأن تكون إيران بما تمتلك حالياً من قوةٍ اقتصادية وسياسيةٍ مدفوعة بالقوة النووية، الشرطي الجديد للولايات المتحدة في المنطقة، هذا الأمر يجب أن يدركه «آل سعود» ذات أنفسهم بأن عدواً وهمياً يصنع لك المكانة، خيرٌ من «ضرة» تأتي برضا أميركي لتكون الآمر الناهي، فماذا ينتظرنا؟

مما لاشك فيه أن الأميركي والإسرائيلي سيحاولون تصعيد اللهجة، والضخ الإعلامي سيتجاوز الحدود، لكنهم يعونَ أن إمكانية قلب النظام تبدو شبهَ مستحيلة والعمل سيكون على تعويم الفوضى لا أكثر والهدف واضح، فلا المساومة على اليمن تفيد، لأن الموجود في اليمن بالنهاية يمنيون، ولا المساومة على الدور الإيراني في سورية سيأتي بنتائج، لأنهم يدركون أن الدور الإيراني في سورية محدود، وعليه سيكون الهدف السعي لتعليق الاتفاق النووي بذريعة الاحتجاجات بعد إخفاق محاولات إلغائه، وهو المطلب الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة التي تجري فيها تصفية القضيةِ الفلسطينية على قدمٍ وساق، بالتالي ليس علينا أن نستهين بما يجري أو تبسيطه، بل النظر إلى مسبباته ومعالجة الأخطاء التي يستفيد منها المتربصون بإيران بما تمثل في المحور المقاوم، مع التأكيد أننا في حالة لا يفيدنا التلاعب بالألفاظ والمواقف لإظهار رماديتنا كما كان يفعل مستثقفو الصحافة العربية ومدعو الفكر المقاوم في تعاطيهم مع الحدث السوري والقضية واضحة: أحداث ينتشي لها نتنياهو ويبتسم لها ترامب عليك أن تكون في الجهة المعاكسة لها ونقطة على السطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock