“حوار التاريخ والواقع: زيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض”

بقلم: هادي العبدو
في واحدة من عمليات التمكين الأكثر دراماتيكية في الذاكرة الحديثة، استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس أحمد الشرع، بما قد يكون الاجتماع الأكثر إثارة للدهشة الذي استضافه البيت الأبيض على الإطلاق.. فلم تكن زيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض حدثاً عابراً في روزنامة العلاقات الدولية، هي لحظة تتجاوز البروتوكول، وتقترب أكثر من فكرة أن التاريخ نفسه قرر أن يمنح الشرق الأوسط فرصة جديدة، أو ربما اختباراً جديداً، وتحولاً جذرياً في المشهد السياسي السوري والتحالفات الدولية.
إن كون السيد الشرع هو الرئيس السوري الأول على الإطلاق الذي يعبر عتبة الجناح الغربي من البيت الأبيض، يجعل المناسبة استثنائية بما فيه الكفاية، خاصة أنه كانت هناك مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقوم بقتله.
كانت آخر مرة حلّ فيها السيد الشرع ضيفاً رسمياً على الأميركيين عندما كان سجيناً في السجون العسكرية العراقية بين عامي 2005 و2011، وقد احتجز لفترة من الوقت في سجن أبو غريب، الذي لا شك بأن نظام الانتهاكات السيئ السمعة، الذي كان سائداً فيه، قد جعله محبوباً لدى القضية الأميركية.
زيارة الرئيس الشرع هي الأولى لرئيس سوري إلى البيت الأبيض في التاريخ، علماً أن محمد علي العابد زاره قبل أن يصبح رئيساً عام 1932، حيث قدم أوراق اعتماده سفيراً للدولة العثمانية عام 1908، وكذلك ناظم القدسي، عندما كان سفيراً عام 1944، قبل سنوات من انتخابه رئيساً عام 1961.
وكما كان الدور المحوري الذي لعبه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جمع ترامب والشرع في الرياض، فقد رتّب جده الملك عبد العزيز قمة تاريخية بين الرئيسين شكري القوتلي وفرانكلين د. روزفلت، وكان من المقرر أن تقام في مصر في عام 1945، وكان ذلك بعد أقل من عام من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والولايات المتحدة، وفي أعقاب مؤتمر يالطا واللقاء التاريخي بين الملك السعودي وروزفلت في 14 شباط 1945.
هناك من تابع الزيارة بشيء من الأمل، كأنها بداية لصفحة جديدة، وربما نافذة نحو انفراجة سياسية أو اقتصادية. فالسوريون أتعبتهم الحرب، وأن تكون بلادهم عنواناً للخراب في نشرات الأخبار.
لكن آخرين، خاصة أولئك الذين فقدوا أحباءهم، أو نزحوا من بيوتهم، لم يتمكنوا من النظر إلى الحدث بعين التفاؤل. وبالنسبة لهم أي مصافحة على الطاولة لا تُعيد أبناءهم، ولا تمحو سنوات من الألم.. فقد كانوا ينظرون إلى الصورة من زاوية أكثر قسوة: “من يتحدث باسمنا هناك؟ ومن يسمع صوتنا في هذه الغرف المغلقة؟”.
ومن جهة الأميركيين، لم تكن الزيارة خالية من الجدل.. فجزء من المؤسسة السياسية في واشنطن رأى فيها مخاطرة، وآخر رآها خطوة ضرورية لإغلاق ملفات مفتوحة منذ سنوات.. لم يكن أحد يتوقع أن يتبدل الموقف بهذه السرعة لكن السياسة – كما يقولون في الغرب – “فن الممكن”، حيث ترى واشنطن في سوريا اليوم فرصةً لتحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية.. انخراط الولايات المتحدة مع سوريا ينبع من حساباتٍ لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وبالتالي، فإن أي دعمٍ حالي هو دعمٌ تكتيكيٌّ لا استراتيجي، ويمكن عكسه بسهولةٍ إذا تغير الوضع على الأرض أو تغيرت الأولويات الغربية.
ستتعدد القراءات لهذه الزيارة.. البعض سيصفها بانتصار للبراغماتية السياسية، وآخرون سيرون فيها محاولة لتجميل الواقع لا تغييره وولادة عهد جديد من التبعية.. لكن من زاوية أخرى، يمكن القول: إن الزيارة وضعت سوريا مجدداً على الخريطة -لا كخبر حرب، بل كدولة تبحث عن طريقها للاستقرار والسلام والاستدامة.
وفي النهاية، تبقى الأسئلة المفتوحة التي لا يمكن الإجابة عنها بسهولة: هل ستترجم هذه الزيارة إلى تغييرات حقيقية في حياة السوريين؟ وهل ستكون هذه الخطوة مجرد تغيير في الاستراتيجيات السياسية، أم بداية لجعل السوري مرة أخرى في قلب المعادلة السياسية؟