العناوين الرئيسيةمقالات وآراء

داخل عقل وقلب الموالين الجدد

منذ تولّي الرئيس أحمد الشرع رئاسة النظام الجديد في سوريا، شهدت الساحة السياسية والاجتماعية تحولات عميقة، من بينها ظاهرة مثيرة للانتباه وهي: انخراط بعض السوريين في حالة من الولاء الشديد، بل المتطرف، للإدارة الجديدة، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء الموالون الجدد هم من المحسوبين تنظيمياً وفكرياً على الرئيس الشرع وإدارته، بل هم بصراحة من فئات عريضة من المجتمع.
هؤلاء الأشخاص، الذين كانوا ضحايا أو شهوداً على تطرف الموالين لبشار الأسد، أصبحوا اليوم يعيدون إنتاج نماذج مشابهة من الولاء، ولكن هل سوريا حقاً اليوم بحاجة إلى مثل هذا النوع من الولاء؟ وهل يفيد ذلك الإدارة الجديدة ويلتقي مع نهجها، وهي الإدارة التي لطالما استهجنت كل مظاهر النفاق والولاء الأعمى الذي طبع مسيرة النظام السابق؟
بكل تأكيد، إن الجواب هو النفي، لكن رغم ذلك فإن ظاهرة الولاء الأعمى والتشدد في التعبير عن الولاء للإدارة الجديدة باتت واضحة للجميع، فما الأسباب والتفسيرات لهذه الظاهرة؟
يتعلق أحد التفسيرات بسعي هذه الجماعات للتعويض النفسي، فالأفراد الذين عاشوا فترة طويلة بحالة من الاغتراب أو الإقصاء السياسي، قد يشعرون بحاجة عميقة للانتماء، وبعضهم الآخر قد يكونون من الفئات التي كانت تعارض الرئيس الشرع قبل أن يكون رئيساً حين كان قائداً لتنظيم إسلامي، وهؤلاء ربما يعبرون عن مواقف حادة في الولاء له اليوم، بعد أن نجح في إسقاط النظام السابق، وما يدفعهم إلى ذلك هو نوع من التكفير عن ذنب معارضتهم السابقة له.
هذا الشعور بالذنب أو التردد في المواقف السابقة، يدفع البعض إلى تبنّي الموقف المعاكس بشكل مفرط، كنوع من المصالحة مع الذات ومع المحيط الجديد، إضافة إلى ذلك، فإن الحاجة إلى الأمان والاستقرار بعد سنوات من القلق والنزاع قد تجعل الولاء للنظام الجديد يبدو كأنه بوابة للخلاص الشخصي والوطني، ما يغذي الميل نحو الولاء المطلق.
من جهة أخرى، هناك عامل “الهوية الجمعية”، حيث يبحث بعض الأفراد عن دور جديد داخل سياق اجتماعي متغير، فبعد سقوط النظام القديم لم يعد للكثيرين الحضور ذاته أو المكانة، ما يدفع بعضهم إلى البحث عن شرعية جديدة من خلال التماهي مع النظام القائم، وفي هذا السياق، يصبح الولاء المفرط أداة لإعادة بناء الذات ضمن بنية السلطة الجديدة.
أما على المستوى السياسي، فإن بعض التحولات في المواقف قد تُفسر ببراغماتية محضة، لأن النظام الجديد، رغم أنه جاء بعد معاناة طويلة مع الحكم السابق، ما زال يحتفظ بهياكل سلطة تُكافئ الولاء وتمنح الموالين فرصاً للنفوذ أو التمكين، وهنا تظهر فئة من الناس الذين يتبنون الولاء الشديد كاستراتيجية للبقاء أو الترقي في هرم السلطة، وهذا الولاء قد لا يعكس قناعة عميقة بقدر ما يُعبّر عن طموحات انتهازية لتحقيق مكاسب ممكنة من سلطة قوية.
وأخيراً، يمكن القول: إن بعض الأفراد يعيشون حالة من “الولاء المعكوس”، حيث يتحولون من تطرف إلى تطرف مضاد كردّ فعل انتقامي، أو كردّ فعل نفسي على شعور عميق بالخذلان من النظام السابق، ما يجعلهم يرون في النظام الجديد “الفرصة الأخيرة” حتى يستطيعوا تحقيق نوع من التوازن الداخلي وأيضاً حتى يشعروا بالأمان الشخصي.

شعبان عبود

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock