اقتصادالعناوين الرئيسية

زيارة الرئيس الشرع للرياض خطوة مفصلية نحو إعادة الاندماج والاستثمار

أكد الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، المهندس باسل كويفي، في حديثه لـ”الوطن” أن مشاركة سوريا على مستوى رئاسي في مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) في الرياض تمثّل تحوّلاً مهماً يتجاوز حدود الحضور البروتوكولي في مؤتمر دولي، ليشكّل خطوة عملية باتجاه كسر العزلة وإعادة الاندماج السياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي.

وأكد كويفي أن حضور الرئيس أحمد الشرع في السعودية، الشريك الاقتصادي والإقليمي الأبرز، يُعدّ إشارة واضحة إلى انتقال سوريا من مرحلة «تلقي المساعدات» إلى مرحلة «الشراكة الاستثمارية» وجذب رأس المال نحو مشاريع إنتاجية تعيد بناء الاقتصاد الوطني وتحفّز النمو المستدام.

وأوضح أن سوريا تطرح اليوم كسوق واعدة لم تُستثمر قدراتها بعد، وخاصة في مجالات إعادة الإعمار والبنى التحتية..

الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، التحول الرقمي.. الزراعة والخدمات اللوجستية..

وبيّن كويفي أن المشاركة قد تسفر في المدى القصير عن توقيع مذكرات تفاهم في قطاعات مختلفة، تليها خطوات متوسطة الأجل بتشكيل لجان سورية – سعودية وخليجية لتهيئة بيئة استثمارية جاذبة،  لتسهيل الاستثمار، ودراسة معوقاته، والعمل على حلّها، وتتجلى النتائج طويلة الأجل (الاستراتيجية) في جذب استثمارات كبرى في مشاريع البنى التحتية الاستراتيجية (مطارات، موانئ، شبكات طاقة)، وقد تكون مصدراً للطاقة النظيفة ومشاريع الهيدروجين الأخضر في المستقبل، التي تمثل عصب أي عملية إعمار حقيقية.

ويعتقد أن مشاركة سوريا في هذا الحدث  يؤكد أن عملية الإعمار انتقلت من مرحلة التخطيط النظري إلى مرحلة التفاوض والتمويل العملي.” وهذا تحول نوعي في حد ذاته، فالواقع يبدأ عند توقيع العقود، وحفر الأساسات، وضخ الأموال، حيث ما زلنا في مرحلة “الإعلان عن النية الجادة” و”تأسيس البيئة المناسبة” للإعمار، حيث تشكل العقوبات الأمريكية والغربية، العقبة الأكبر، وستمنع معظم الشركات الغربية الراغبة في الاستثمار من الانطلاق اللازم، لذلك التركيز الآن هو على رأس المال العربي والإقليمي والآسيوي الذي لا يخضع لهذه العقوبات أو يتعامل معها بحذر أقل.

وأفاد إن تحول سوريا من مُتلق للمساعدات إلى شريك في التقدم هو ضرورة إقليمية دولية للحفاظ على الاستقرار والسلام المستدام، وهو التحول الجوهري والطموح الاستراتيجي من وراء هذه المشاركة، إن سوريا بحاجة ماسة إلى هذا التحول لأسباب متعددة أهمها؛ استدامة التنمية فالمساعدات مؤقتة وترتبط  بالمانحين. أما الاستثمار فيبحث عن الاستمرارية والربح، ما يخلق نمواً اقتصادياً مستداماً ودورات إنتاجية، وخلق فرص العمل من خلال الاستثمارات، وخاصة في القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة، السياحة، الخدمات)، هي التي تخلق الوظائف للشباب السوري، وتوقف هجرة الكفاءات، وتعيد بناء الطبقة الوسطى وتحد من الفوارق الطبقية، كما تعزز نقل المعرفة والتكنولوجيا بالتقنيات الحديثة، وأساليب الإدارة المتطورة، وفرص التدريب للكوادر السورية. هذا يبني قدرات البلاد على المدى البعيد، وتأتي أهمية الاستفادة من الموقع والموارد في أولويات الاهتمام نظراً لأن سوريا بموقعها الجيوستراتيجي ومواردها البشرية المؤهلة (رغم الظروف) يمكن أن تكون جسراً للطاقة: لنقل الطاقة الكهربائية من مشاريع الطاقة الشمسية في المنطقة.

محوراً لوجستياً: لطرق التجارة والنقل بين آسيا وأوروبا والمنطقة العربية (مشروع “طريق الحرير” الصيني مثالاً).

سوقاً استهلاكياً: بسكانها المتعطشين للسلع والخدمات بعد سنوات من الحرمان..

وعليه؛ فإن زيارة الرئيس الشرع إلى الرياض للمشاركة في FII هي خطوة تاريخية وجريئة نحو فتح باب الإعمار الحقيقي. إنها اعتراف عملي بأن العزلة لم تعد خياراً، وأن المستقبل يكمن في الاندماج مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية.

وأكد كويفي أن النجاح مرهون بتحقيق معادلة صعبة، هي قدرة الجانب السوري على تقديم ضمانات حقيقية للمستثمرين (استقرار، قوانين، مكافحة فساد)، وقدرة الجانب السعودي والإقليمي على خلق “ممرات استثمارية آمنة” تتجاوز أو تتعامل مع العقوبات الدولية.

وشدّد كويفي على أهمية استثمار موقع سوريا الجيوسياسي ومواردها البشرية، لتكون جسراً إقليمياً للطاقة ومركزاً لوجستياً للتجارة بين آسيا وأوروبا والأهم سوقاً استهلاكياً متعطشاً بعد سنوات الحرب..

وأفاد بالتأكيد على أن هذه المشاركة تمثّل بداية عملية للإعمار إذا جرى استثمارها بالشكل الصحيح، قائلًا: إذا استطاعت سوريا تقديم ضمانات للمستثمرين، وتمكن الشركاء الإقليميون من خلق طرق تمويل آمنة، فسننظر لاحقاً إلى هذه المشاركة باعتبارها نقطة الانطلاق في مسار إعادة إعمار سورية أما إذا فشلت، فستبقى مجرّد صورة في مؤتمر وفرصة أخرى ضائعة في بحر من الفرص التي أهدرتها الحرب.

الوطن – هناء غانم

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock