العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

سوريا في مبادرة مستقبل الاستثمار.. من كسر العزلة إلى إطلاق الإعمار

تشكل مشاركة الرئيس أحمد الشرع على رأس وفد رفيع في النسخة التاسعة من مبادرة “مستقبل الاستثمار (FII) ” التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض، محطة فارقة في مسار سوريا السياسي والاقتصادي، إذ لا تُختزل هذه الخطوة في بعدها البروتوكولي فحسب، بل تعبّر عن تحولٍ نوعي في موقع سوريا من “المتلقي للمساعدات” إلى “الشريك في الاستثمار والتنمية”.

المبادرة، التي تُعرف بـ”دافوس الصحراء”، باتت من أبرز المنصات العالمية التي ترسم ملامح الاقتصاد الدولي الجديد، بمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة، ومئات كبار رجال الأعمال وصناديق الاستثمار العالمية، وفي هذا السياق، تأتي المشاركة السورية لتؤكد عودة دمشق إلى قلب المشهد الاقتصادي الإقليمي، بعد سنوات من العزلة والصعوبات التي فرضتها الحرب والعقوبات.

ومن الواضح أن الحكومة السورية تدرك حجم التحديات التي تواجهها عملية إعادة الإعمار، والتي تُقدر تكلفتها بين 600 و900 مليار دولار، لكنها تُدرك أيضاً أن جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية هو الطريق الأكثر استدامة للنهوض بالاقتصاد الوطني، ومن هنا، تحمل مشاركة الرئيس الشرع في هذا المحفل الدولي رسالة مزدوجة: أولاً، تأكيد انفتاح سوريا على الشراكات الإقليمية والدولية، وثانياً، إظهار جدّية الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة لتهيئة بيئة استثمارية أكثر شفافية وفاعلية.

وتوحي المؤشرات الاقتصادية والسياسية المحيطة بهذه المشاركة بتحول أعمق في التفكير السوري الرسمي، فبدلاً من انتظار المساعدات الخارجية، تسعى دمشق اليوم لتأسيس نموذج شراكة يقوم على المنفعة المتبادلة، مستفيدة من موقعها الجغرافي كمحور لوجستي طبيعي بين آسيا وأوروبا والعالم العربي، ومن إمكاناتها البشرية المؤهلة ومواردها المتنوعة، ويُنتظر أن يطرح الرئيس الشرع في كلمته أمام المؤتمر رؤية سوريا الجديدة للإعمار والتحول الرقمي والطاقة المتجددة، بما يتماشى مع الأجندة العالمية للتنمية المستدامة.

وعلى الصعيد السياسي، تُعد هذه الزيارة تتويجاً لمسار من التقارب العربي – العربي، إذ تعكس دعوة المملكة العربية السعودية للرئيس الشرع إلى الرياض إدراكاً إقليمياً متزايداً بأن استقرار سوريا الاقتصادي شرط لاستقرار المنطقة، ومن المرتقب أن تُثمر اللقاءات الثنائية، ولا سيما بين الرئيس الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن إطلاق مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي القائم على المصير المشترك والتكامل التنموي.

غير أن الطريق أمام الإعمار السوري لا يخلو من العقبات، فالعقوبات الغربية ما زالت تمثل تحدياً أساسياً أمام انخراط الشركات الدولية الكبرى، لذا، يبدو الرهان حالياً على رؤوس الأموال العربية والآسيوية التي يمكن أن تشكل رافعة حقيقية لمشاريع البنية التحتية والطاقة والإسكان والخدمات.

ويبدو أن مشاركة سوريا على أعلى المستويات في مبادرة “مستقبل الاستثمار” ليست حدثاً عابراً، بل لحظة تأسيسية في رحلة استعادة الثقة الدولية بالاقتصاد السوري، فهذه الخطوة إن أُحسن استثمارها – عبر تقديم ضمانات للمستثمرين، وتبني إصلاحات قانونية ومؤسساتية حقيقية – قد تتحول إلى نقطة انطلاق فعلية لمرحلة الإعمار والنمو.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock