مقالات وآراء

قوى مقاومة التغيير!!!

-عندما نتحدث عن التغيير، فإن ذلك لا يعني أبداً أننا نتبع موضة سائدة في العالم لمجرد التقليد، ولكن لأن التغيير بالتعريف البسيط هو استجابة لمجموعة من العوامل المؤثرة في شيء ما، وتؤدي لتغييره، ونقله من حالته الراهنة إلى حالةٍ أكثر تقدماً وتطوراً، وبالطبع فإن واقع حياة البشر والمجتمعات والأحزاب والسياسات تحتاج إلى مراجعة بين فترة وأخرى، وإلى تطوير وتحديث دائمين.
– التطوير والتحديث ليسا شعاراً نرفعه على الجدران وفي المناسبات كما اعتاد بعض مسؤولينا فعل ذلك لفترة من الزمن، إذ كان هؤلاء يرفعون الشعار ويتغنون به في الخطابات، ولكن في التنفيذ والخطط والإيمان بذلك كانوا يفرغون الشعار من مضمونه لأسباب كثيرة سأتحدث عنها لاحقاً.
-إن أهم خصائص التغيير ثلاثة:
 إنه حتمي: بمعنى أنه أمر لابد منه، مهما حاول البعض إبطاءه وعرقلته لأن مسيرة الحياة في ظل هذا التطور السريع والهائل في العالم تجعل منه كذلك.
 الاستمرارية: أي إن عملية التغيير حالة مستمرة وليست مناسباتية أو شعاراتية سواء اعتمدت على التخطيط المسبق أم جاءت تحت ضغط الظروف والمتغيرات.
 الشمولية: إن التغيير يجب أن يشمل كل المكونات الخاصة بشيء ما أو ظاهرة ما.
– وحسب الخبراء فإن أنواع التغيير هي تغيير مخطط وتغيير كلي وتغيير تدريجي.
– إن أهم ما يجب فهمه وعمله من وراء التغيير هو أنه وسيلة من وسائل الارتقاء للأفضل.
– هذا عرض سريع لأهم النقاط العلمية التي يجب أن تمهد للاحق من الكلام، وهو هل نجحنا نحن في عملية التغيير؟ والحقيقة أننا نجحنا في مجالات وانطلقنا في أخرى وفشلنا في ثالثة، لكن الأرقام التنموية ومستويات الدخل الفردي والتطور الاقتصادي الاجتماعي -طبعاً ما قبل الحرب- كانت جيدة مع وجود مجالات إخفاق مثل: الإسكان، العشوائيات، الريف والمدينة، اللامركزية الإدارية، مكافحة الفساد… الخ.
-يبدو أن عملية التغيير لا ترتبط فقط بالتشريعات والأنظمة والقوانين التي هي مهمة وضرورية، لكنها ترتبط أيضاً بمنهج التفكير لدى الناس وقدرتهم وتجاوبهم مع عمليات التغيير والتطوير، والأهم من الناس هم المسؤولون عنهم وعن قضاياهم وإدارة المجتمع والدولة، وهذه القضية تطرح سؤالاً كبيراً علينا جميعاً وهو:
– من القوى التي تقاوم التغيير؟
– إن تحليلاً بسيطاً لمجمل الواقع السوري يضع أمامنا ثلاثة أنواع من القوى تعرقل التغيير والتقدم:
 النوع الأول: قوى تعرقل التغيير عن جهل وخوف من القادم الجديد.
 النوع الثاني: قوى تعرقل التغيير خوفاً على مصالحها ومكاسبها وكراسيها لعدم قدرتها على مواكبة كل جديد، أو عدم رغبتها فيه.
 النوع الثالث: قوى الفساد والإفساد التي تستفيد من الثغرات في القانون، أو الواقع الراهن، أو العلاقات القائمة، وشبكاتها فتنظر لكل تغيير وتطوير وتحديث على أنه تهديد لمصالحها.
وبالرغم من أنها تجدد أدواتها مع كل تطور وتغيير، لكنها قوى خطرة إذا لم يُحسن التعامل معها.
– وإذا انطلقنا من مجمل ما قلناه أعلاه، فإن ظروف البلاد الآن تختلف تماماً عن مرحلة ما قبل الحرب لأنه أضيف إلى القوى الثلاث السابقة نوع رابع متحالف مع النوع الثالث وهم المستفيدون من ظروف الحرب –أي الأثرياء الجدد- الذين جنوا أموالاً طائلة نتيجة ظروف الحرب وشكّلوا طبقة جديدة تبدو واضحة للعيان من طرق الصرف والإنفاق والتبذير والمظاهر الباذخة التي قد تستفز كثيراً من السوريين الذين تأثر وضعهم الاقتصادي والمادي بشكل عام.
– لقد تناول السيد الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير أمام رؤساء مجالس الإدارة المحلية أربعة أنواع من الحروب التي نخوضها، ورابعها كان (الحرب على الفساد)، وهي حرب معقدة وليست سهلة كما يعتقد كثيرون، وتحتاج إلى جوانب قانونية، وتطويرية (أي أتمتة العمل الحكومي) لتخفيف الاحتكاك بين المواطن والأجهزة البيروقراطية، وإلى رقابة ومتابعة، ثم إلى محاسبة صارمة للمرتكبين… وإذا كان الفساد إشكالية للكثير من الدول والمجتمعات، فإنه في زمن الحرب يتحول إلى أداة للاختراق ويضعف الانتماء الوطني لأن العنوان الرئيسي يصبح (الغاية تبرر الوسيلة) ويتحول الحصول على المال العام إلى وسيلة لاستنزاف موارد الدولة وإضعافها، ومن ثم يسهم من حيث يدري أو لا يدري في مخططات أعداء البلد وخصومه.
– هنا لا أتحدث عما يسمى (الفساد الصغير)، إنما المتوسط والكبير، والخطورة في الأمر أن الفاسدين يؤسسون شبكات مترابطة منتفعة من بعضها البعض ضمن سلسلة تتبادل المصالح، وأخطر ما لدى هؤلاء هو انهيار القيم الأخلاقية، وانهيار قيم التعاضد الاجتماعي ليتحول كل شيء إلى ثمن مالي أو أخلاقي أو حتى المساومة على الشرف، الأمر الذي يعني أن ضرب مفاصل الفساد أكثر من ضرورية لأنها تؤدي في مرحلة لاحقة إلى إضعاف الانتماء الوطني، وإلى إنهاك الدولة ومؤسساتها، وإلى عدم القدرة على تنفيذ مشاريع التغيير المطلوبة والعاجلة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.
– إن أخطر ما يمكن أن يصل إليه المواطن المضحي والمنتمي هو أن يجد نفسه أمام معادلة صعود الانتهازيين والفاسدين وهم أقدر وأسرع، ولكنهم أصبحوا مكشوفين وظاهرين للعيان، ولابد من إسقاطهم واحداً تلو الآخر.
-يبدو لي أن البعض عندما يتحدث عن قوى مقاومة التغيير وأخطرها الفاسدون والجاهلون سوف يعتقد أننا نتحدث عن حالة مثالية أو طوباوية والأمر ليس كذلك، لأن المنفعة والمصلحة حالة قائمة مع كل منا مادامت الحياة قائمة ومستمرة ولكن دائماً نقول: ابنوا في وطنكم وعمروا وشيدوا لأن هذا سوف يعود منافع ومزايا عليكم، وعلى أجيالنا القادمة، لكن لا تخربوا ولا تدمروا ولا تؤخروا التغيير لأن هذا التغيير قادم وحتمي مهما حاول بعض اليائسين عرقلته.
– إنها سُنة الحياة والكون… لأن الوطن ليس فندقاً أو شركة… بل هو انتماء وجذور ومحبة وعطاء وبصمات يتركها الإنسان لتتذكره الأجيال القادمة في العمارة والفن والأدب والسياسة والاقتصاد والإعلام.
– إنها سورية أيها السادة التي أعطتنا جميعاً وآن الأوان لنعطيها وعلى الأقل لا نضعفها ولا نعرقل تقدمها وازدهارها، ولننظر دائماً إلى الشهداء… إلى المواطنين الأوائل في سورية الذين ضحوا بأرواحهم من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم وأحفادهم.
– تذكروا هؤلاء فقط ولو للحظة ودقيقة، وأدركوا أنهم هم الخالدون الذين يجب أن نتذكرهم في كل لحظة، ومن أجل عظمة تضحياتهم يجب أن نجري التغيير لتصبح سورية أجمل وأقوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock