العناوين الرئيسيةسوريةسياسة

لجنة التحقيق بأحداث السويداء.. العدالة للضحايا و منع تكرار ما حدث

تمثل أعمال اللجنة الوطنية للتحقيق في أحداث السويداء منعطفاً مهماً في مقاربة الدولة لملف الانتهاكات الجسيمة التي ألمت بالسوريين، فإطلاق لجنة وطنية مستقلة هو تأكيد على إرادة سياسية وقانونية لفتح الباب أمام مسار عدالة انتقالية حقيقي يهدف إلى كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا وتثبيت المسؤوليات، وإعادة الثقة بين المكونات الاجتماعية التي تضررت من العنف وسوء الفهم ودوائر التحريض.

وقد شكلت أحداث السويداء في تموز الماضي صدمة وطنية واسعة، لما حملته من سقوط ضحايا وتهجير قسري وترويع للمدنيين وتعديات على الممتلكات العامة والخاصة، ومع أن تداعيات الحدث مست المحافظة أولاً، إلا أن آثارها النفسية والسياسية طالت السوريين جميعاً، نظراً لحجم الشرخ المجتمعي الذي خلفه النظام البائد، وحاجة المجتمع إلى آليات مؤسساتية تمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات، وتفتح الباب لعدالة واضحة لا لبس فيها.

وهنا تبرز أهمية اللجنة الوطنية الخاصة للتحقيق بأحداث السويداء، التي جاءت محملة بولاية قانونية صريحة تستند إلى القرار رقم /1287/ لعام 2025، وتعمل وفق المادة 51 من الإعلان الدستوري، وبمنهجيات تستحضر معايير الأمم المتحدة، وتوظف القوانين الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وبالقانون الإنساني الدولي، هذا الإطار القانوني الواسع لا يوفر فقط ضمانة للضحايا، بل يعيد الاعتبار لسيادة القانون باعتباره المرجعية الجامعة التي يتساوى أمامها الجميع.

ومن خلال ما أنجزته اللجنة خلال الأشهر الماضية من تحقيقات ميدانية واسعة، وزيارات لمواقع الاعتداءات وتجمعات المهجرين، واستلام شهادات شديدة التنوع من أهالي السويداء والعشائر والمسيحيين، إلى تدقيق الأدلة الرقمية وتوقيف مشتبه بهم من عسكريين ومدنيين، يبدو واضحاً أن عملها كان مساراً جدياً يحمل مؤشرات إيجابية في ثلاثة اتجاهات أساسية:

الاتجاه الأول هو العدالة للضحايا، فالاستماع لشهادات مئات المتضررين، وتوثيق الانتهاكات، وتوقيف عناصر من الجيش والأمن ثبتت شبهات تورطهم، كلها خطوات تبعث برسالة طمأنة مفادها أن الانتهاك مهما كان مرتكبه لن يُطوى من دون مساءلة، وأن كرامة السوريين مصونة بالقانون.

أما الاتجاه الثاني، فهو تحقيق الانسجام الوطني، حيث إن مشاركة أطياف مختلفة في تقديم الإفادات، وحرص اللجنة على الحياد والسرية والشفافية، أسهم في تخفيف التوتر بين المكونات الاجتماعية، وقطع الطريق على محاولات استثمار الحدث في إذكاء خطاب الكراهية، وقد أوضحت اللجنة، عبر متحدثها عمار عز الدين، أن التحريض الذي ظهر على وسائل التواصل اقتصر على أفراد محدودين، وأن معالجته تتم عبر القانون لا عبر التضخيم الإعلامي.

في حين فتح الاتجاه الثالث، بوابة التعافي وبناء المستقبل المشترك، إذ لم تكتف اللجنة بتحديد المسؤوليات، بل وضعت توصيات تمنع تكرار الانتهاكات، وتعمل بتعاون وثيق مع القضاء والنيابة العامة لمأسسة المحاسبة في إطار وطني متكامل، وبهذا المعنى، يصبح التحقيق في أحداث السويداء ليس حدثاً قانونياً معزولاً، بل خطوة تأسيسية على طريق طويل نحو مصالحة حقيقية، تتكامل فيها الحقيقة مع العدالة، ويستعيد فيها السوريون الشعور بالأمان والقدرة على العيش المشترك.

ويرى مراقبون أن استمرار اللجنة في أعمالها، وطلبها تمديد المدة الزمنية لاستكمال الملفات، يؤكدان أن هناك رغبة جدية للوصول إلى الحقيقة كاملة، وبالتالي مهما كانت نتائج التقرير النهائي، فإن مجرد فتح هذا المسار وتوفيره منصة للضحايا وفرضه مساءلة حقيقية يمثل مكسباً وطنياً ويعيد الاعتبار لقيمة القانون في مجتمع أنهكه الفساد والمحسوبيات والحرب، ويشكل ركيزة مهمة على طريق التعافي والمستقبل المشترك الذي ينشده السوريون جميعاً.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock