العناوين الرئيسيةمحلي

مدوّنة السلوك… خطوة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع

يمثّل إصدار وزارة الداخلية لمدوّنة السلوك الجديدة بموجب المرسوم التشريعي رقم (185) لعام 2025 تحولاً سياسياً لافتاً يتجاوز إطار التنظيم الإداري إلى كونه إعلاناً عن إرادة رسمية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وترميم صورة المؤسسة الأمنية وفق معايير أكثر انفتاحاً وتوازناً.
فعندما تضع وزارة سيادية مثل الداخلية وثيقة تحدد القيم والمعايير الأخلاقية والمهنية الملزمة لكل العاملين، فهي عملياً تعيد تعريف دور جهاز الأمن بوصفه مؤسسة خاضعة للقانون لا فوقه، وتؤسس لمرحلة سياسية جديدة تُجسد روح الدولة الحديثة.
ويتجلّى البعد السياسي في إعادة تثبيت الشرعية عبر تأكيد التزام الوزارة بالقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، في لحظة يتزايد فيها الطلب الشعبي والدولي على الشفافية وضبط الأداء الأمني، فالمدونة ترسل رسالة واضحة بأن الدولة تتحرك نحو إعادة هيكلة مؤسساتها وفق معايير عالمية، ما يعزز صورتها داخلياً وخارجياً.
كما تحمل النصوص المتعلقة بضبط القوة ومنع التعذيب والإساءة إشارة سياسية حاسمة تؤكد أن المؤسسة الأمنية أصبحت جزءاً من عملية إصلاح أوسع، لا أداة منفصلة عن مساءلة القانون، وهذا التحول ينسجم مع التوجه الوطني نحو تعزيز سيادة القانون وتحصين العمل الأمني من التجاوزات التي كانت تستغل سياسياً ضد الدولة.
أما التركيز على الإبلاغ عن الفساد والتجاوزات داخل الأجهزة الأمنية، فهو يعكس توجهاً رسمياً لمكافحة الفساد من الداخل، بما يحول رجل الأمن من منفذ للأوامر فقط إلى شريك في حماية نزاهة مؤسسته.
ويرى مراقبون أن مدونة السلوك تمثل خطوة سياسية بامتياز تهدف إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس الثقة والاحترام المتبادل، وتفتح الباب أمام نموذج أمني أكثر شفافية ومهنية، ويبقى التحدي الحقيقي في التطبيق العملي، فهو ما سيحدد حجم التحول السياسي الذي يمكن أن تحدثه هذه المدونة في المشهد السوري.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock