مع غياب مؤسسات الدولة.. السويداء تتحول إلى منصة للميليشيات ومافيا المخدرات العابرة للحدود

تحولت محافظة السويداء، منذ خروج مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والشرطية منها وسيطرة الميليشيات المسلحة عليها، إلى بؤرة لمافيا المخدرات العابرة للحدود ترويجاً وتجارة ومصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار والفوضى الإقليمية، في ظل فراغ أمني كبير نتيجة غياب مؤسسات الدولة عن أداء دورها وتصاعد تناحر العصابات المسلحة.
الهجوم الأخير الذي شنته مجموعات مسلحة على مواقع تابعة لقوات الأمن الداخلي في مناطق ولغا والمزرعة وريمة، مثل نقطة تحول خطيرة، ورغم إعلان ميليشيا ما يسمى “الحرس الوطني” براءتها من الهجوم، واتهامها لعصابات محلية بالضلوع فيه، إلا أن هذا الموقف يفضح حالة الانقسام العميق داخل المشهد المسلح في المحافظة، ويؤكد أن السيطرة لم تعد بيد جهة واحدة، بل باتت متناحرة ومتنافسة، مدفوعة بمشاريع خارجية تتقاطع مصالحها على أرض سورية.
والمعطى الأخطر في المشهد هو ظهور أسلحة إسرائيلية متطورة في أيدي ميليشيا “الحرس الوطني”، مثل القناصات الحرارية الثقيلة وقواعد إطلاق الصواريخ المضادة للدروع، ما يشير إلى دعم إسرائيلي مباشر لبعض الميليشيات في السويداء. وفي موازاة ذلك، تشهد المحافظة تناحراً متزايداً بين الميليشيات المحلية، ولاسيما تلك المرتبطة بحكمت الهجري، في مقابل مجموعات أخرى تتصارع على النفوذ، وكان آخر تجلياته اغتيال متزعم إحدى الميليشيات إسماعيل الأطرش ونجاة آخر من محاولة مماثلة، الأمر الذي فجر اشتباكات دموية بين العصابات المسلحة، لتدخل المحافظة في دوامة من العنف المسلح والفوضى الميليشياوية والمافوية.
لكن خطورة ما يحدث لا تقتصر فقط على محافظة السويداء، التي باتت اليوم نقطة انطلاق رئيسية لعمليات تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود، وبشكل خاص إلى المملكة الأردنية، التي أعربت مراراً عن قلقها من تصاعد محاولات التهريب المنظمة انطلاقاً من هذه المنطقة، وصولاً إلى العمق الأردني، وهو الأمر ذاته الذي بات يشكو منه العراق أيضاً، في تهديد صريح للاستقرار الإقليمي.
فمع تصاعد عمليات التهريب والاتجار غير المشروع بالمخدرات والسلاح عبر الحدود الأردنية والعراقية، تبدو السويداء اليوم في قلب معادلة تهدد أمن الجوار بقدر ما تهدد الداخل السوري، أما أبناء المحافظة المدنيون، فهم الحلقة الأضعف في هذا الصراع، فإلى جانب التهديدات الأمنية والاقتصادية المتفاقمة، يواجهون تضييقاً خانقاً من الميليشيات المسلحة التي تفرض قيوداً على حركة الأهالي وتمنعهم من مغادرة المدينة من دون إذن، في مشهد يعكس تدهوراً غير مسبوق لمفهوم الحريات الفردية، وتحول المجتمع المحلي إلى رهينة لعصابات مسلحة خارجة عن القانون.
ورغم هذه التحديات، لم تغب مؤسسات الدولة السورية عن المشهد، بل تواصل جهودها لإعادة بسط السيطرة على المحافظة وتفعيل مؤسساتها الحكومية، سواء من خلال تعزيز الوجود الميداني، أم عبر التواصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية، وعزل العصابات عن المجتمع المحلي، كما تُبذل مساعٍ لتجفيف مصادر تمويل هذه الميليشيات، وتعزيز التعاون مع دول الجوار لضبط الحدود، ومنع تحول المحافظة إلى بوابة لتصدير الفوضى والجريمة المنظمة.
الوطن