العناوين الرئيسيةمقالات وآراء

من الشرق إلى الجنوب طريق إسقاط الوهم الانفصالي

ليس في الشرق ما يثير شهية القوى الدولية أكثر من كيان يقدّم نفسه على أنه الضرورة الوحيدة، أو كيان يفرض وجوده بوصفه الوظيفة التي لا بديل منها، هكذا وُلدت مشاريع الانفصال وهكذا استمرت، لا لأن لها قدرة ذاتية على البقاء بل لأنها أتقنت لعبة الحاجة الدولية والإقليمية إليها، الخطأ الأكبر أن يواجهها الداخل بالصدام المباشر لأنه يفتح لها أبواب الشرعية الخارجية، ويمنحها مادة الترويج بأنها المستهدَف ظلماً، فيما الطريق الأذكى والأكثر رسوخاً هو تجريدها من مبرراتها وإزاحة الغطاء عن الوظيفة التي تعطيها قيمتها.

في الشرق السوري لا يقوم مشروع قسد على سحر سياسي ولا على عبقرية تنظيمية، بل على ثلاث ركائز متداعية لو وجدت بديلاً حقيقياً لانفرط عقدها سريعاً، أولى هذه الركائز هي ورقة مكافحة الإرهاب، وثانيتها موارد النفط والغاز التي تُستثمر خارج أي إطار شفاف، وثالثتها شبكة خدمات محلية لا تعدو أن تكون محاولة بدائية لتقليد الدولة، فإذا ما أُغلق ملف داعش فعلياً بجهد وطني محسوب لا يترك ثغرات، وإذا ما أُعيدت إدارة الموارد لتكون مجال شراكة ومساءلة من دون احتكار أوابتزاز، وإذا ما قُدّمت خدمات ملموسة قابلة للقياس في حياة الناس اليومية عندها تتحول قسد من ورقة رابحة إلى ورقة محروقة من أداة ضغط إلى عبء ثقيل على حامليها.

أما في الجنوب فإن معادلة السويداء مختلفة لكنها لا تقل خطورة، فقد أُبقِيَت في موقع الحياد المراقَب لا هي جزء كامل من المسار الوطني ولا هي مشروع انفصالي معلن، إنها معادلة إدارة عن بعد واحتكار رمزي للزعامة يعيد تدوير العجز نفسه، كسر هذه الحلقة يتطلب ولادة قيادة جديدة ليست مستوردة ولا مفروضة بل نابعة من نبض المجتمع المحلي نفسه، لكنها في الوقت ذاته متصلة بالمسار الوطني الجامع، عندها فقط تخرج السويداء من خانة المنطقة المحايدة التي تُدار كملف منفصل لتصبح شريكاً فاعلاً في تحديد المصير الوطني العام.

وليس من المبالغة القول: إن واشنطن وتل أبيب لا تنشغلان بأسماء اللاعبين بقدر ما تنشغلان بالوظيفة، من يضمن أمن الحدود، من يضبط موازين القوى، من يمنع طرفاً من السيطرة الكاملة هو المؤهَّل لأن يُبقى على قيد الدعم، هذه هي القاعدة الصلبة، لكن القاعدة ذاتها تحمل ثغرتها، فإذا برز بديل محلي أو وطني يضمن تلك الوظائف بكلفة أقل وصورة أكثر قبولاً وشرعية أرسخ، فإن خريطة الأوراق تتغير وتفقد المشاريع الانفصالية جدواها، وهنا تتبدل الأدوار لا بقرار شعاراتي ولا بخطاب تعبوي بل بميزان براغماتي يفرض نفسه حتى على داعميها.

الدرس الأهم أن المعارك المصيرية لا تُكسب بضجيج الإعلام ولا باستدعاء المواجهة المفتوحة، بل بعمل هادئ يلتقط العقدة من مكانها ويعيد شد الخيوط كلها بيد مشروعية محلية غير قابلة للكسر، حينها فقط ينتقل مركز القرار من موقع التبعية إلى موقع القوة، وينهار المشروع الانفصالي لا لأنه أُسقط بل لأنه فقد وظيفته وانتهت صلاحيته.

بقلم: عبد الله عبدون

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن أون لاين
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock