نهاية التحالف المطلق.. سوريا تعيد تعريف علاقتها بروسيا

شكّل سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول الماضي نقطة تحول محورية في التاريخ السياسي المعاصر لسوريا، ولاسيما فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية التي طالما تأثرت بطبيعة النظام القائم.
التحالف الوثيق بين دمشق وموسكو، الذي اتسم خلال السنوات الماضية بطابع عسكري وأمني صرف، بدأ يتعرض اليوم لمراجعة جذرية في ضوء المتغيرات السياسية الداخلية وتبدل أولويات الدولة السورية.
لقد مثّل الدعم الروسي للنظام السابق إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل إقليمياً ودوليّاً، إذ رأت فيه غالبية الشعب السوري محاولة لتكريس سلطة قمعية، على حساب تطلعات الشعب نحو الحرية والديمقراطية، ومع سقوط تلك السلطة، وجدت موسكو نفسها أمام واقع جديد يتطلب إعادة تقييم مقاربتها للعلاقة مع سوريا، وخاصة في ظل قيادة سياسية جديدة تنطلق من مرجعية مختلفة تستند إلى السيادة والشفافية.
من الواضح أن الحكومة السورية الحالية تسعى إلى إعادة صياغة مفهوم العلاقة مع روسيا، فبعد عقود من التبعية السياسية والعسكرية، بات واضحاً أن دمشق الجديدة تريد علاقة قائمة على الندية والمصالح المشتركة، لا على الاصطفاف أو التبعية، وفي هذا السياق، تأتي زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني، إلى موسكو يوم غدٍ كمؤشر دبلوماسي قوي على هذا التحول.
الاجتماع المرتقب في العاصمة الروسية لا يُنظر إليه كمجرد محطة تفاوضية، بل كاختبار عملي لإرادة الطرفين في تأسيس علاقة متوازنة قائمة على احترام السيادة الوطنية السورية، فبعيداً عن الاتفاقات السابقة التي شابها الغموض والتجاوزات القانونية، تسعى دمشق إلى مراجعة شاملة لكل ما تم توقيعه في عهد النظام البائد، في محاولة لتأطير التعاون مع موسكو ضمن قواعد جديدة، تضع المصلحة الوطنية السورية في المقدمة.
من الجانب الروسي، يمثّل التحول السوري تحديّاً جيوسياسيّاً، إذ يتعين على موسكو أن تعيد النظر في أدواتها السياسية والعسكرية داخل سوريا، وخاصة بعد تراجع النفوذ المطلق الذي كانت تمارسه في ظل النظام السابق، وربما يشكّل الحوار المرتقب فرصة لروسيا لإعادة تأطير دورها في سوريا، بعيداً عن صورتها كطرف منحاز لطرف دون آخر، باتجاه لعب دور أكثر توازناً .
في تحليل المشهد السوري الأوسع، تبرز ملامح استراتيجية سياسية جديدة تنتهجها الحكومة السورية تقوم على مبدأ الحياد الإيجابي، والانفتاح على مختلف الأطراف الدولية من دون الدخول في تحالفات مغلقة أو محاور إيديولوجية.
هذه المقاربة تعكس وعياً متقدماً بتعقيدات الواقع الإقليمي والدولي، كما تشير إلى رغبة دمشق في تجاوز مرحلة العزلة والانخراط في منظومة العلاقات الدولية كدولة ذات سيادة مكتملة الأركان.
الرؤية السورية الجديدة تستند إلى رفض واضح لأي مساس بالسيادة الوطنية، وتؤكد أن إعادة الإعمار، رغم تعقيداتها، يجب أن تكون مدفوعة بإرادة داخلية خالصة، ومنفتحة على شراكات استراتيجية مشروطة بالاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
السؤال الجوهري اليوم ليس ما إذا كانت العلاقة السورية – الروسية ستستمر، بل بأي صيغة ستُعاد صياغتها. هل تقبل موسكو بتحول سوريا إلى دولة ذات إرادة مستقلة؟ الاجتماع في موسكو قد لا يحمل إجابات نهائية، لكنه يُمثّل بداية مسار سياسي جديد، تتبلور فيه ملامح علاقة أكثر عقلانية وتوازناً بين طرفين، أحدهما يتطلع إلى الحفاظ على نفوذه، والآخر يسعى إلى استعادة قراره الوطني.
الوطن