وزيرة سابقة: الاقتصاد الحر وحده ليس الحل لأنه لا يراعي الفئات الأقل دخلاً

ترى وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي أنَّ مصير الاقتصاد السوري، الذي “يقف أمام مفترق طرق” وسط تحديات جسيمة، مؤكدةً أن الاقتصاد الحر وحده ليس حلًّا كافياً لأنه يتجاهل الفئات الأقل دخلًا ويُهمل العدالة الاجتماعية.
تحديات مركبة
تشير عاصي في حديثها لـ”الوطن” إلى أن الحكومات المتعاقبة فشلت لعقود في صياغة هوية اقتصادية واضحة، ما تسبب بتراكم التشوهات الهيكلية حتى قبل 2011. فبالرغم من الحديث عن نمو الناتج المحلي، كانت المناطق الريفية والشمالية والشرقية تعاني تدهوراً متصاعداً في مؤشرات الفقر والبطالة والأمية، بسبب تحوُّل “اقتصاد السوق الاجتماعي” إلى انفتاح تجاري غير منظم ركَّز على الاستيراد المفرط من دون تطوير إنتاج محلي. واليوم، يواجه الاقتصاد السوري – وفق توصيفها – أزمات مركبة: بنية تحتية شبه مدمرة، هيمنة مؤسسات عامة خاسرة تستنزف الخزينة، انهيار قيمة العملة، وهجرة الكوادر، ما يجعله “اقتصاداً مشوهاً. هشّاً ومنهكاً”.
شروط النجاح لاقتصاد السوق
رغم تأييدها لمبدأ تحوُّل الدولة نحو اقتصاد السوق لمواجهة آثار الدمار، تُحذِّر عاصي من التطبيق العشوائي وتطالب بحزمة إصلاحات مصاحبة: التحول التدريجي عبر تقليص هيمنة الدولة على القطاعات الإنتاجية مع تمكين القطاع الخاص في إطار تنظيمي عادل، مع احتفاظ الدولة بالقطاعات الاستراتيجية كالطاقة والاتصالات.
موازنة آليات السوق بالبُعد الاجتماعي عبر تعزيز شبكات الحماية ودعم الفئات الهشة وتقليص الفجوة بين المناطق.
إصلاح شامل لمؤسسات القطاع العام الخاسرة وإعادة هيكلتها لوقف نزيف الخزينة.
تطبيق الحوكمة الرقمية القائمة على الشفافية والمحاسبة لمكافحة الفساد، ورقمنة الخدمات المالية والضريبية.
استثمار عاجل في رأس المال البشري عبر تأهيل الكوادر (كالنهضة التعليمية التي قادت تجربة ماليزيا).
صياغة خريطة إصلاح اقتصادي شاملة تشمل القوانين والهياكل المؤسسية.
الإجراءات العاجلة
ترى عاصي أن التعافي يبدأ برؤية استراتيجية طويلة المدى ترتكز على: معالجة الاختلالات الهيكلية عبر إصلاح النظام الضريبي (توسيع القاعدة الضريبية، مكافحة التهرب)، وعلاج العجز المالي والتجاري، وتوحيد سعر الصرف، وضبط التضخم.
تعزيز الإنتاج المحلي والاستثمار في القطاعات الواعدة: إعادة الإعمار، الزراعة، الطاقة المتجددة، الاقتصاد الرقمي، والسياحة.
اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ مشاريع البنية التحتية.
ثلاثة سيناريوهات للمستقبل
تطرح عاصي مسارات محتملة للاقتصاد السوري:
السيناريو الكارثي: استمرار الانهيار والتحول إلى دولة فاشلة.
السيناريو الجزئي: انفتاح تجاري محدود مع إصلاحات غير جذرية، ينتج نمواً غير متوازن وعرضة للانهيار.
السيناريو الأمثل: إصلاح شامل يرتكز على السلم الأهلي وسيادة القانون، مع تنمية الإنتاج المحلي والاستثمار البشري.
وتؤكد عاصي أن “الاقتصاد الحر” بالمفهوم الأكاديمي (حيث يحكم العرض والطلب دون تدخل دولة) ليس حرّاً بالمعنى الحقيقي لأنه يُكرّس الظلم الاجتماعي. النموذج المنشود يجب أن يكون اقتصاد سوق اجتماعيّاً مختلطاً يزاوج بين الكفاءة الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة، وإلا فستبقى سوريا في مفترق الطرق بلا مستقبل.
هناء غانم