وقف إطلاق النار في السويداء.. هل يرسم ملامح تسوية جديدة في الجنوب؟

في تطور سياسي وأمني لافت، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن رعايتها اتفاقاً لوقف إطلاق النار في محافظة السويداء، شاركت فيه أطراف سورية وإسرائيلية، بدعم إقليمي من تركيا والأردن، وبينما يشكل الاتفاق انفراجة مرحلية على مستوى التهدئة، يرى مراقبون أنه يحمل مؤشرات أعمق لتحول نوعي في تعامل واشنطن مع الملف السوري، وتحديداً في الجنوب الذي طالما كان نقطة تماس حساسة بين أطراف محلية ودولية.
تؤكد التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن واشنطن لم تكتفِ بالدور التقليدي كراعٍ سياسي أو ممول للمبادرات الإنسانية، بل قادت مشاورات فعلية خلال الأسابيع الماضية لصياغة اتفاق ميداني بمضامين سياسية، فالكلمات التي استخدمها روبيو في بيانه – مثل “خطوات عملية” و”استقرار دائم” – تعكس توجهاً أميركياً لإعادة هندسة المشهد الأمني في الجنوب، بما يتجاوز مجرد تهدئة مؤقتة.
أما اللافت فهو دخول إسرائيل رسمياً كطرف في الاتفاق، ما يوحي بوجود تفاهمات أمنية، هدفها تحييد التهديدات المتبادلة قرب الحدود، وإعادة ضبط التوازنات بين الفصائل المحلية والدول الإقليمية. تأييد تركيا والأردن للاتفاق، كما أعلنه المبعوث الأميركي توماس باراك، لا يأتي من فراغ. فأنقرة وعمّان معنيتان بشكل مباشر بما يجري جنوب سوريا، الأولى من باب التوازن مع النفوذ الإيراني، والثانية من منطلق حماية حدودها من التهريب والتسلل والفوضى الأمنية.
ويُفهم من تبني هذين البلدين للاتفاق، أن هناك ترتيبات إقليمية غير معلنة، تتعلق بإعادة توزيع الأدوار وربما حتى بمستقبل التمثيل السياسي في الجنوب، في ظل تراجع الحضور الروسي بعد حرب أوكرانيا، وتصاعد دور واشنطن كبديل مقبول من بعض الفاعلين.
المرحلة الأولى في الاتفاق تعنى بوقف النار، لكنها تحمل في طياتها اختباراً أولياً لجدية الأطراف والتزامها، خصوصاً أن الوضع في السويداء تحكمه تعقيدات عشائرية وطائفية وشبكات تهريب وسلاح منفلت، والمرحلة الثانية تطرح إخلاء المحتجزين وإدخال مساعدات، وهو ما يشير إلى رغبة أميركية في كسب القواعد الشعبية وتهدئة البيئة الاجتماعية قبل فرض أي ترتيبات سياسية، والمرحلة الثالثة – إعادة مؤسسات الدولة – تُعد الأكثر حساسية، إذ تمس مسألة السيادة والنفوذ المحلي، خصوصاً أن السويداء لطالما كانت منطقة “توازن هش” بين النظام والمعارضة والمكونات المجتمعية.
الدعوة التي وجهها باراك إلى “الدروز والبدو والسنة” لنبذ السلاح والعمل مع الأقليات على “بناء هوية سورية جديدة” ليست مجرد تصريح عابر، إنها تعكس نية لتدشين عملية إعادة تشكيل للهوية الوطنية، بمعايير أقرب للطرح الأميركي لما يجب أن تكون عليه “سوريا ما بعد الحرب”: دولة موحدة، علمانية الطابع، خالية من النفوذ الإيراني، ومنفتحة على جيرانها.
الاتفاق في السويداء قد يكون محطة مفصلية، ليس فقط لأنه يضع حداً للتصعيد، بل لأنه يفتح الباب أمام اختبار نيات اللاعبين الكبار تجاه الجنوب السوري. فواشنطن عادت للملف السوري، ولكن هذه المرة ليس من بوابة جنيف أو بروكسل، بل من الميدان، وليكون السؤال الأبرز هل لدى واشنطن خطة طويلة الأمد أم إن ما يجري مجرد مناورة في سياق الضغط على طهران وموسكو؟، لننتظر قادمات الأيام.
الوطن