مقالات وآراء

وماذا بعد يا وزارة العدل ….

بقلم المحامي: أحمد وليد منصور

لم يعد الكورونا وافداً جديداً على ملهى القتلةِ الكبار، لقد أصبح طوال الأشهر الماضية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، قرأنا تقاريره، وراجعنا حصيلة قتلاه الممهورة بالقبور المغلفةِ بأكياس النايلون، تعايشنا معه، إلا أننا إلى الآن لم ولن نتقبله.

أعطانا الكورونا فرصةً ذهبية، عندما أخر زيارته لدولنا النامية، تاركاً المجال الأوسع لمن تسلموا إداره ملفه الصحي، لأن يستوعبوا من تجربة الدول التي حلَّ كورونا زائراً عليها، لستُ مختصاً بالحديث عن سوء إدارة الواقع الصحي، بالقطاعات غير القانونية، بل سأتحدث عما فعلتهُ وزارة العدل بإدارتها لأزمة الكورونا.

فجأةً ومن دون سابق إنذار قررت الوزارة (تعطيل) المحاكم، في دولةٍ لم يكن بها أي حالة إصابة، امتد هذا التعطيل لأكثر من شهرين، ظننا أن وزارة العدل تعمل على إيجاد مكانٍ ملائمٍ لعمل القضاة والمحامين والمساعدين القضائيين خلال فترة هذه العطلة، جلسنا بسباتنا الطويل، متأملين أن نرى حلولاً مكانية بعيداً عن ردهات الكارديورات الممزوجة برائحة العرق وتلامس الأجساد، وحلولاً قانونية، تشعرنا ولو قليلاً أننا سنخطو نحو محاكم إلكترونية كما في أي دولة من دول العالم، فماذا شاهدنا؟!!

لم نشاهد شيئاً، بقي الحال كما هو عليه، الازدحام والمحاكم كما هي، الأوراق المتناثرة التي تتناقلها اليدان بين كاتبٍ وآذنٍ ومحامٍ وقاضٍ بقيت كما هي، اكتفت الوزارة بوضع تحذيرات زجرية لمن لا يرتدي الكمامة في أروقتها التي تقطع عنها الكهرباء، وضعت شرطياً يتنقل بين المحامين ممسكاً ورقة وقلماً، وكأننا طلاب بمدرسة يسجل اسم المشاغب منا، لا تستطيع أنت المحامي أن تتجاوز بعض المظاهر العبثية التي تنم عن قلة احترام بالنسبة لك… فشلت الوزارة بإعداد مشروع قانون واحد يمهد لدولة التحاكم عن بعد، كان الصراع التقليدي على صفحات التواصل الاجتماعي حول امتداد مدد الطعن لقرارات تمديد التعطيل القضائي، ومدى قانونيته، لم يتغير شيء يا أعزائي بوزارةٍ محاكمها متناثرة هنا وهناك، بين المزة وشارع النصر والمرجة وشارع خالد بن الوليد وغيرها من الأماكن الضيقة التي يصعب على السليم التنفس بها، فكيف بمصابي مرضى الكورونا …

انتهت الفرصة التي منحنا إياها الكورونا، مع إجازتنا القصرية، وما هي إلا أيام معدودة من بدء العمل بمحاكمنا المتعبة غير المجهزة بأدنى مقومات السلامة، حتى بتنا نسمع عن كم الإصابة بين السادة القضاة والمحامين والمساعدين العدليين، بات الخطر قريباً، الكورونا حطَّ رحالهُ بمحاكمنا، وبدأت عمليات قنصه تلاحق كل من يدخل إلى هذه الأمكنة، توقعنا حلولاً من وزارة العدل، فما وجدنا إلا قراراً بإلغاء العطلة القضائية وقصرها على أيام معدودة من شهر آب مضموماً لها عطلة عيد الأضحى، وفي هذا العيد تحديداً، بدأت قامات من المحامين تتساقط أمام أعيننا، لم يكن الكورونا يرغب بإصابتنا فقط، بل تمادى إلى اغتيال رجالاتنا، عشراتٍ من المحامين أصيبوا وسقطوا قتلى، سقطوا ضحية الردهات المغلقة التي لا يوجد بها نافذة واحدة على الهواء الطلق، كانت عطلة العيد بمنزلة مأتم بالنسبة لنا … فماذا فعلنا؟

أصدر السيد نقيب المحامين مشكوراً قراراً جريئاً بمنح معذرة عامة للمحامين لمدة شهر، هو يعلم أن قراره ليس ناجماً عن رفاه قانوني لصاحب قلم، بل ناتجٌ عن معرفة تامة عن عدد الحالات الكثيرة لمحامين مصابين قابعين بحجرهم الجبري وغير قادرين على العمل، هو يعلم أن نسبة كبيرة من المحامين تتجاوز أعمارهم الستين عاماً هم بوضعٍ خطر إذا ما بقوا على دوام متابعة أعمالهم، ماقام به السيد نقيب المحامين ليس صراعاً على قرار التحكم بمعطيات قصر العدل، وليس تجريداً لوزارة العدل لصلاحياتها أو منافسةً لها، هو قرارٌ إنساني واستجابة سريعة لرجال قانون يتساقطون بدولةٍ لا تملكُ إلى الآن عناصر الاستجابة الكافية لكل من يصاب بالكورونا.

اليوم عممت وزارة العدل رفضها للمعذرة، ناقشتهُ نقاشاً قانونياً طويلاً، أن تكون صاحب القرار الوحيد، هو ما يعنيها في مرحلةٍ يجب أن تكون صحة كل رجال القانون هي المعني الأول بكل قراراتنا، عدم قبول المعذرة هي النتيجة التي توصلت لها وزارة العدل، التي تستعد يوم غد لاستقبال الآلاف بين قضاة ومحامين ومراجعين بذات ردهاتها المغلقة، هذه الوزارة ذاتها التي عطلت أعمال المحاكم لأكثر من شهرين، من دون أي سبب أو مبرر، ومن دون أي تصورات نحو حلول جذرية للواقع الصحي المتردي.

وأمام هذا ليس لنا إلا أن نطالب السيد نقيب المحامين بطلب وقف الترافع أمام المحاكم، يجب أن يتوحد المحامون أمام قرار نقابتهم، وأن نكون جسداً واحداً للقرارات غير المفهومة وغير المبررة لوزارة العدل، إن صحة المحامين ورجال القانون كافة هي الأهم برأيي من أي معيار آخر … وما نطلبه هو حق أكثر مما هو رفاهُ قانوني أو صراعٌ على قرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock