مقالات وآراء

أردوغان يهدد الأوروبيين: طوفان لاجئين أم طوفان إرهابيين!

«من شرب البحر فلن تعييهِ الساقية»، مثلٌ اعتدنا قولهِ عندما نتجاوز المصاعب الكبرى فنصطدم بما هو أقلَّ منها حجماً. بعد اشتعالِ الحرائقِ الكبرى في شرقِنا البائِس من العراق إلى ليبيا فاليمن فسورية، بدأت الحرائق الصغرى تستعر في سورية والأراضي الفلسطينيةِ المحتلة. لكن اللافتَ أن الذين يؤجّجون النار الكبرى في سورية واليمن وليبيا، هم ذاتهم الذين تهافتوا لإطفاء الحرائقِ الصُغرى في فلسطين المحتلة، فالطائرات التابعة لـ«أحفاد شخبوط» مثلاً، التي هبت لمساعدةِ «طويلي العمر» في حكومة الاحتلال، هي ذاتها التي تحلِّق فوق اليمن لقصفِ الأبرياء وتدمير البشرِ والحجر. لكن عزيزي المواطن البسيط، لا تيئس بعد اليوم وأنت تسمع من يحاولَ إطعامكَ ليلَ نهارَ، غصباً أو طواعية مصطلح (العمل العربي المشترك)، فإمكانية تحقيقهِ ليست مرتبطة بالتصفيق والهتاف لشعاراتٍ عفى عليها الزمن فحسب، انظر للجانب الممتلئ من الكأس؛ ألم تجتمع فوق سماءِ فلسطين المحتلة طائراتٌ مصرية وأردنية وإماراتية وكوادر فلسطينية لإطفاء الحرائق، ونحن الساذجون كنا نظنُّ يوماً أن «العمل العربي المشترك» سيؤدي بهذه الطائرات لتحلّقَ وهي تقصف الجبروت «الإسرائيلي»؟! أليس هذا عملاً عربياً مشتركاً؟ اعذرهم، أساساً هم لا يجتمعون إلا على العمل الذي فيه الخير العام للإنسانية جمعَاء… إلا شعوبهم.

نعترف أن تلكَ الحرائق البسيطة لا تساوي شيئاً أمام الحرائق الكبرى المشتعلة التي تحصدُ البشر والحجر. تلك الحرائق العصية على الإخماد ليس بسببِ وعورةِ المنطقة- أو «الاحتباس الحراري» كما أتحفنا أحد المسؤولين عن ملف الحرائق في الساحل السوري، من دون أن يكلف المعنيون أنفسهم عناء السؤال ماذا جهزنا لمواجهة كوارث كهذه؟! -بل لأن حرائِق كهذه وقودها دماءُ الأبرياء، دماءٌ ليس مسؤولاً عنها من حرّفوا معنى «العمل العربي المشترك» فحسب، بل بفعلِ دعاة الحرية وحقوقِ الإنسان في ما يسمونه «العالم المتحضر». حرائق يصبح فيها جيش الدولة «محتلاً» والإرهابي «ملهماً ثورياً»، قد يصبح «ديمستورا» التي باتت أيامه معدودة «خليفة»، والأهم أن نوعاً جديداً من الاتجار بالبشر يزدهر، ليس النوع الذي يأخذهم رهائن أو يتاجر بالأعضاء البشرية بالمفرق، هذا النوع هو الاتجار بالبشر بالجملة، فكيف ذلك؟

لم يكن غريباً أن يتحدث رئيس النظام التركي «رجب طيب أردوغان» ويهدد الاتحاد الأوروبي باللاجئين بهذه الطريقة. هو نوعٌ جديد من الاتجار بالبشر لكنه بطريقة علنية. عندما يهدد رئيس دولة بفتح الحدود أمام اللاجئين إذا لم تتحقق مطالبه، عندها يصبح السؤال المنطقي: إذاً ماذا سيفعل «أردوغان» بهؤلاء اللاجئين لو تحققت مطالبه؟
«أردوغان» والمتحكمون بقرار الاتحاد الأوروبي (هنا نتحدث تحديداً عن ألمانيا وفرنسا)، باتوا أشبهَ باللصوصِ الذين لم يكشفوا أنفسهم عند السرقة، لكنهم انكشفوا عند توزيع الحصص. كان «أردوغان» ولا يزال يراهن على إنجازاته الاقتصادية أولاً، ونجاحاته بإعادة الأوروبيين لطاولة المفاوضات لضمان وصول تركيا للنادي الأوروبي من جهةٍ ثانية بمعزلٍ عن خطاباته المتطرفة مذهبياً وقومياً، لأن هذا الخطاب لا يمكن صرفه عند فئةٍ من الأتراك لا يعنيهم نوع كهذا من الخطابات.

مبدئياً أي متابعٍ أو عارفٍ بطبيعة التركيبة الأوروبية في البرلمان أو النظرة الاجتماعية الأوروبية لتركيا يعرف تماماً أن حلم انضمامِ تركيا للاتحاد الأوروبي يساوي بحظوظه حلم «أردوغان» بالصلاة في «الجامع الأموي»، هذا الكلام نكرره دائماً، وقلنا إن الأوروبيين يستخدمون مفاوضات الانضمام كجزرة للوصول بـ«أردوغان» إلى النقطة التي يريدونها لا أكثر. «أردوغان» يعي هذا الكلام، لهذا هو لم يستسلم للوعودِ الجميلة بعكس الأوروبيين الذين فيما يبدو لم يحسبوا حساب خط الرجعة حتى الآن، فـ«أردوغان» تمكن عبر اتفاقِ تبادل اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي تم توقيعه في الربيع الماضي من ابتزاز الأوروبيين من جهة والظهور بمظهرِ «حمامة السلام» من جهةٍ ثانية. لكن حسابات «أردوغان» في إكمال مسلسل انتصاراته الوهمية كانت ولا تزال تصطدم بالصخرة السورية، فبعد المحاولات المضنية للحفاظ على حلم ضمِّ حلب، اصطدم مؤخراً بفشلِ فتح «الباب» أمام جحافل العثمانيين الجدد، وانتهاء حلم المناطق العازلة إلى غيرِ رجعة. هذا الفشل جاء مكملاً للكلام الأوروبي عن تعليق المفاوضات بسبب ما سموه «انتهاكات حقوق الإنسان» في تركيا، لكن ما لم يفهمه «أردوغان» أن اصطدامه بالصخرة السورية ليس مستجداً، أما صدامه مع الأوروبي فهو مستجد لأن الأوروبيين الذين يتذرعون بحقوق الإنسان اليوم، هم أنفسهم الذين دعموا «أردوغان» واستمروا بالمفاوضات معه رغم إثبات تبادله النفط مع «داعش» ورغم إثبات تجاوزات حقوق الإنسان التي سبقت مسرحية الانقلاب بشهور، فما الجديد؟

الجديد واضحٌ وصريح، لأن انفجار العلاقة بين الأتراك والأوروبيين الآن ليس طارئاً أو شكلياً كما يتوقع البعض، بل هو صورةٌ مصغرة عن الانقلاب القادم في التعاطي الأوروبي مع الملف السوري الذي يشكل «أردوغان» حلقته الأهم في الجهة الداعمة للإرهاب. التحول ليس مرتبطاً فقط بانتخاب «ترامب» رئيساً فحسب، بل بالتحولات في السياسةِ الأوروبية لأكبرِ دولتين تتحكمان في البرلمان الأوروبي؛ فرنسا وألمانيا، ففرنسا مثلاً تبدو كأنها تسير بهدوءٍ نحو انقلابٍ كامل في السياسة الخارجية، أما ألمانيا التي دفعت الثمن الأصعب في حرب اللاجئين الإعلامية، تبدو فيها «ميركل» وكأنها في سعي ما لتحولٍ ما يُبعد عنها شبح خسارة الأغلبية في الانتخابات القادمة، تحديداً بعد صعود «اليمين المتطرف» الألماني، لكن ما حدود تصاعد الاشتباك التركي الأوروبي؟
لنعترف أن السلاح الذي يملكه «أردوغان» تجاه الأوروبيين، أخطرُ بكثيرٍ من الأسلحة التي يمتلكها الأوروبيون ضد «أردوغان». إذا كان الأوروبيون مثلاً يملكون أسلحة العقوبات أو بأسوأ الأحوال إعادة تفعيل التعاون مع دمشق من باب النكاية، فإن «أردوغان» يمتلك السلاح الأخطر وهو سلاح فتح الحدود أمام الإرهابيين لا اللاجئين كما يقول. قلنا منذ فترة إن اختيار الإرهابيين -بتوجيهٍ من داعميهم- «إدلب» كوجهة نهائية أمرٌ مدروسٌ بعناية، تحديداً أنها الأقرب لإمكانية مغادرتهم يوماً باتجاه أوروبا عبر تركيا. هذا يعني أن خزاناً بشرياً من الإرهابيين قادرٌ «أردوغان» أن يفتحَهُ بأي لحظة ليغطي فيه الأراضي الأوروبية. ربما قد يكون الأوروبيون فهموا هذا الأمر وتخلوا عن سلاح المكابرة، عندها ستتصاعد المواجهة التركية الأوروبية في الأسابيع القادمة، فما انعكاسات ذلك على الملف السوري؟

في واقع الأمر وفي المدى القريب لن يكون لهذا الخلاف نتائج ملموسة على الأرض بالقدر الكافي، لأن ما كانت تقوله سورية وما حذرت الأوروبيين منه عبر سنوات، يجدونه أمامهم متجسداً بما يجري بين «أردوغان» والأوروبيين. القصة لا يبدو أنها ستنتهي بسهولة، لأن أي عملٍ إرهابي قادم ستكون سهام الاتهام فيه موجهة إلى «أردوغان»، مع العلم أن الواقع يقول إن أي عملٍ إرهابي قادم ستكون وجهته خارج الدول التقليدية؛ أي خارج فرنسا وبلجيكا، لتعميم الخوف، ما سيدفع الأوروبيين لأحد حلين: إما الاستسلام كاملاً للمشيئة «الأردوغانية» وبالتالي يعيد «أردوغان» احتلال أوروبا بطريقته، أو الوقوف جدياً عند الخطر الداهم، فماذا ينتظرنا؟

أخطأ الأوروبيون بحق سورية، وهم فعلياً بحاجةٍ لوقفةٍ تعيدهم إلى جادةِ الصواب، لكن في المقابل هناك من يقول إن « أردوغان» لا يمكن له أن يخرج بتصريح كهذا لو لم يكن فعلاً يعاني سكرات الموت السياسي.
بالمطلق الأمر ليس كذلك فـ«أردوغان» أطلق تصريحاتٍ أشدَّ من ذلك، هناك من استوعبه يومها لأنه كان بحاجةٍ لـه في الملف السوري، ومن بينها اتفاق اللاجئين، لكن ماذا لو لفظ الملف السوري أنفاسه الأخيرة في الأجندة الأوروبية؟ النتائج قادمة ولا تستعجلوا الوصول إليها، لنعد إلى ما قلناه في المقدمة… «من شرب البحر فلن تعييهِ الساقية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock