مقالات وآراء

أزمتنا لا تزال قصب السبق

بقلم: عبد المنعم علي عيسى

لم يستطع اللهيب المندلع في جنوب القوقاز منذ أواخر شهر أيلول المنصرم، ولا قبله استطاع نظيره المتأجج في ليبيا منذ مطلع هذا العام، وما بينهما الغليان الحاصل في بحري إيجة وشرق المتوسط منذ أشهر، لم تستطع تلك النيران كلها أن تشد الانتباه، أو تهمش، الحريق السوري المندلع منذ ما يقرب من الأعوام العشرة، ولا استطاعت التخفيف من الاهتمام بالحدث السوري وتطوراته، في تأكيد لما هو مؤكد سابقاً، بأن الأزمة السورية وما يمكن أن تذهب الحلول فيها ستكون مدخلاً لتوازنات إقليمية ودولية جديدة جنباً إلى جنب بؤر أخرى مثل بحر الصين الجنوبي والانزياحات الحاصلة في القارة العجوز التي لا تزال على الرغم من التهتكات الحاصلة في بنيانها وتوجهاتها، مركزاً يرصد التحولات العالمية على الرغم من أن شعوبها لم تعد تشكل منبعاً لتصديرها وإنما باتت ملعباً لحصولها، والمؤكد هو أن سلوك كل اللاعبين الإقليميين المؤثرين فيها يشي بإدراكهم لتلك الحقيقة، حتى إن تموضعاتهم المتبدلة من حين لآخر، باتت تتحدد وفق التطورات الحاصلة بشكل متسارع في الأزمة السورية التي كان عامها الراهن هو الأشد وطأة انطلاقاً من افتراض قائم يشير إلى قرب «مواسم الحصاد» على الرغم من أن كثيراً من التعقيدات توحي بأن تلك المواسم لا تزال بعيدة، أو هي لا تزال رهينة ظروف أخرى تدفعها باتجاه بدء تلك العملية.

يمكن وسم المرحلة السورية الراهنة بالمراوحة التي يصعب تحديد أمدها الذي ستمتد إليه، فمسار أستانا معطل بفعل العديد من الافتراقات الحاصلة بين أطرافه من جراء التناقض في الرؤى والأهداف التي استولدتها النيران الملتهبة في العديد من البؤر المأزومة، ومسار أستانا، في مطلق الأحوال لم يستطع أن يكون بديلاً عن مسار جنيف الذي انطلق كدلالة عن تلك الحالة في منتصف الخريف الماضي، حيث ستسجل روزنامة هذا الأخير في غضون العام الفائت عطباً واضحاً ناجماً عن ضغوط الغرب التي أنتجت حالة من شبه الانعدام في توافق الروس مع هذا الأخير، وهي من الحدة بحيث يصعب معها حلحلة العديد من القضايا العالقة التي لا تزال تشكل عقبات كبرى أمام حدوث اختراقات يمكن أن تدفع بعربة الحل قدماً إلى محطة التسوية الشاملة.

في تراجم ما سبق يمكن القول إن ملف ادلب بات مؤجلاً، وبمعنى أدق بات مرتبط بملف ليبيا وكذا بملف ناغورني قره باغ، ومن الراجح أن يكون من الصعب حلحلته من دون التوصل إلى توافقات بالجملة، أو حدوث افتراقات يمكن أن تدفع بالروس إلى الخروج عن توافقاتهم السابقة مع الأتراك، وذاك أمر يبدو مستبعداً أقله وفق المعطيات الراهنة، أما ملف شرق الفرات فهو يعيش حالة انتظار لما ستؤول إليه الانتخابات الأميركية مطلع الشهر المقبل، والتي توحي نذرها بأن الولايات المتحدة قد تشهد أكبر منعطف في تاريخها منذ قيام الاتحاد قبيل نحو قرنين ونصف القرن، والراجح هو أن ترامب إذا ما فاز في الانتخابات المقبلة، فإنه سيذهب إلى تنفيذ انسحاب لقواته من سورية والعراق، وتلك كانت على رأس أولوياته على مدى السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، وما أعاقها هو صراعه مع جنرالات البنتاغون الذي أفضى إلى حل تسووي يقضي بعدم المواجهة مع الأتراك كرمى لعيني «قسد»، مع الإبقاء على قوات رمزية تحقق الغرض المتمثل بحرمان الدولة السورية من مواردها، لكن الانسحاب الأميركي المرجح في حالة فوز ترامب، لن يحدث إلا بعد ترتيبات مع الروس من الصعب تحديد كيف ستكون، والحال الراهن قد يدفع بعملية عسكرية تركية جديدة تهدف إلى إخراج قوات «قسد» من مدن حدودية مثل الدرباسية وعامودا ولربما القامشلي أيضاً، الأمر الذي فيما لو حصل سيعني سقوطاً نهائياً لسلطة الأمر الواقع التي تمثلها تلك القوات.

رهان الغرب لا يزال حتى اللحظة قائماً على أن تكون للعقوبات المفروضة على دمشق آثاراً تطول المزاج العام للشارع السوري وكذا نظيرة لها في أوساط الكتل والتيارات السياسية، مما يحتم على غرف صناعة القرار السياسي في دمشق أخذها بعين الاعتبار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock