العناوين الرئيسيةسورية

أزيز الرصاص من حلب إلى السويداء.. البندقية واحدة واليد خارجية

لم تكن الاعتداءات التي شهدتها مدينة حلب أمس، باستهداف المدنيين والمشافي وفرق الإسعاف والدفاع المدني من “قسد”، حدثاً معزولاً أو انفجاراً عشوائياً للعنف، بقدر ما بدت حلقة في سياق أوسع من محاولات منظمة لضرب الاستقرار السوري في لحظة سياسية دقيقة، فالتزامن اللافت بين تصعيد “قسد” شمالاً، واعتداء الميليشيات المسلحة في السويداء جنوباً على نقاط الجيش العربي السوري، يفتح الباب واسعاً أمام سؤال الجهة التي تدير الإيقاع وتمنح الضوء الأخضر.

في حلب، تجاوزت الاعتداءات كل الخطوط الحمراء، مع استهداف الأحياء السكنية المكتظة ومحيط مشفى الرازي، وإصابة مدنيين بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى كوادر الدفاع المدني أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني، هذا السلوك، الذي يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، لا يمكن تبريره بأي ذريعة سياسية أو عسكرية، ويعكس خياراً متعمداً بالتصعيد والفوضى، في وقت كانت فيه الدولة السورية تؤكد التزامها ضبط النفس وحصر الرد المركّز على مصادر النيران من دون توسيع رقعة الاشتباك.

في المقابل، شهدت السويداء هجمات متزامنة نفذتها مجموعات مسلحة خارجة عن القانون باستخدام قذائف الهاون والطائرات المسيّرة، في خرق متكرر لاتفاق وقف إطلاق النار، ما أدى إلى استشهاد عنصرين من قوى الأمن الداخلي، هذا التزامن في التوقيت والأسلوب، رغم اختلاف الجغرافيا، يوحي بأن الرسالة واحدة، وأن غرف العمليات قد لا تكون بعيدة عن بعضها سياسياً وإن تباعدت ميدانياً.

هنا، يبرز الدور الإسرائيلي بوصفه المستفيد الأول من تعطيل أي مسار استقرار سوري، فإسرائيل، التي راكمت خلال السنوات الماضية شبكة من الأدوات والوكلاء، ترى في أي تقارب سوري–سوري، أو في نجاح الدولة بإعادة بسط سيادتها عبر الحوار والاندماج، تهديداً مباشراً لمعادلات الفوضى التي استثمرت فيها طويلاً، وليس خافياً أن اقتراب مهلة تنفيذ اتفاق العاشر من آذار، الذي ينص على دمج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، يشكل نقطة قلق حقيقية لتلك الجهات ويجعلها تعيش في حالة تخبط، ما يفسر محاولات التخريب ورفع منسوب الفوضى والعنف.

في المقابل، تواصل الحكومة السورية الرهان على صوت العقل، مؤكدة أن الحلول السياسية والحوار الوطني الشامل هما الطريق الوحيد لبناء سوريا المستقبل، سوريا التي تتسع لجميع أبنائها من دون استثناء، غير أن هذا المسار، على ما يبدو، لا يروق لمن يخشى عودة الدولة قوية موحدة، فيدفع بأدواته لإشعال الحرائق حيثما أمكن.

إن ما جرى أمس في حلب والسويداء ليس سوى إنذار إضافي بأن معركة سوريا اليوم لم تعد عسكرية بقدر ما هي معركة وعي وسيادة، وأن إفشال مشاريع التخريب يتطلب تمسكاً أكبر بالوحدة الوطنية، وفضحاً واضحاً للأدوار الخارجية التي لا تزال تراهن على الدم السوري لإبقاء البلاد في دائرة الاستنزاف.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock