مقالات وآراء

أسئلة مشروعة برسم المعارضة السورية!!

سنوات ست مضت على الكارثة التي حلت بالشعب السوري، وهو يواجهها بصبر قل نظيره، وبجيش أسطوري سيُكتب عنه الكثير، وبقائد يتمتع بالحنكة، والصبر، والرؤية الواضحة، والتحليل الدقيق، ولكن بمعارضة سياسية أيضاً قل نظيرها من حيث ضعف الرؤية، والارتهان للخارج، والفشل المتكرر في تقديم حلول واقعية تخرجها من كذبة كبرى اسمها (الثورة السورية) رهنت نفسها لمصلحة مشروع أميركي غربي وهابي إخواني، فدمرت البلاد، والعباد، ولم يفهم بعد هؤلاء أنه لا يمكن بناء المستقبل اعتماداً على (الإرهاب)، وعلى السلفية الجهادية الوهابية الإخوانية، ولا يمكن إخفاء الأهداف المشبوهة لهؤلاء وهم يتحدثون عن الديمقراطية من الرياض أو عن الحريات- وحقوق الإنسان من الدوحة أو عن مستقبل الشعب السوري من فنادق النجوم الخمس أو عن الديمقراطية المعلقة بفوز هيلاري كلينتون أو الاستقلال والسيادة من بوابات اسطنبول. إن كل هذه الترهات، والأوهام، والسراب سقطت، ولا إمكانية لإحياء ميت اسمه (الثورة السورية المزعومة)
لكن سؤالاً كبيراً يطرح نفسه علينا جميعاً، وهو: هل هناك معارضة سياسية في سورية؟ الجواب: نعم بالتأكيد، فلا يوجد بلد في العالم لا توجد فيه معارضة سياسية، ولكن في الحالة السورية هل هم أفراد، أو أحزاب، أو تيارات تختبئ خلف الدين، ومشاعر البسطاء، وتضحك عليهم بشعارات كاذبة تبين لهم بالممارسة أنها ليست إلا كمائن إيديولوجية وقعوا فيها متوهمين أنه الخلاص على أيدي هؤلاء؟!
وإذا أقررنا جميعاً أن هناك معارضة سياسية سورية، فهل قدمت لنا هذه المعارضة رؤية سياسية، اقتصادية، اجتماعية، فكرية، وثقافية لسورية المستقبل، وكيف تراها؟ ثم هل قدمت لنا شخصيات وطنية مقنعة للسوريين بطروحاتها، وكاريزميتها، ووطنيتها، واستقلاليتها؟
الجواب ليس لدي، وإنما لدى السوريين عامة، فهم الأقدر على الإجابة، وإن كان لدي جواب فلن أطرحه في هذا المقال، وإنما سأحاول أن أطرح أسئلة مشروعة من حقنا كسوريين أن نسمع إجابات واضحة، وشفافة بعيدة عن الكليشهات التي مللنا منها، وقرفنا سماعها ممن يسمون أنفسهم معارضة، ومنها:
1- هل المعارضة السياسية هي (مهنة) أم مشروع سياسي وطني، كبير لابد له من منظرين، ومفكرين، وسياسيين يبنون مشروعهم على أساس (الهوية- والانتماء)، وليس التبعية والارتهان!!
وإذا كان الأمر كذلك فأين المشروع السياسي لهؤلاء إذ إنني لا أرى ولا أسمع إلا منصة القاهرة، والأستانة، وإسطنبول، وموسكو، والرياض، والدوحة، وجنيف، وواشنطن، وباريس، ولندن، فأين دمشق في كل ذلك؟ ثم إذا كانت الحجة الضمانات التي يتحدثون عنها دائماً! فأي ضمانات أقوى من وجود معارضين يتحدثون كما يريدون في دمشق، ونلتقي بهم، ويطرحون وجهات نظرهم عبر صحيفة «الوطن» التي أكتب بها من دون أن يتعرضوا لأي مضايقة!! هل يريد هؤلاء ضمانات دولية ليحولوا بلدهم إلى مرتع لأجهزة المخابرات، والسفارات ومنظمات المجتمع المدني المشبوهة والتدخلات في تفاصيل يُفترض بها أن تكون بين السوريين أنفسهم!
السؤال هنا: إن من يدعي الشعبية الكاسحة، والجمهور الواسع، لماذا عليه أن يخاف من مواجهة هذا الشعب الذي يدعي تمثيله!
والمطلوب رؤية واضحة تطرح على الملأ قابلة للتحقيق، ومرتبطة بالواقع، ولا تعيش أحلام وسراب الماضي الذي أوقعهم به نواطير النفط والغاز، وتُجار الإخوان والوهابية!
2- على المعارضة السياسية أن تُحدد خطها السياسي وإن كان واضحاً بالنسبة لكثيرين، ولكن عليها أن تقول ذلك بوضوح شديد من دون مواربة، ومخاتلة، وكذب، ونفاق، ومن دون شعاراتية مكشوفة.
ومنها:
– هل ترى في أميركا، والغرب حليفاً استراتيجياً؟
– هل ترى في الوهابية- والإخوان حلفاء طبيعيين لمشروعهم السياسي؟
– هل الرياض مركز حضاري للقيم والمبادئ التي يتشدقون بها؟
– هل الدوحة واحة للحريات وحقوق الإنسان التي يُنظرون علينا بها؟
– لماذا يدعم كل هؤلاء تنظيمات إرهابية ويرسلون قطعان المتطرفين من بلدانهم إلى سورية، هل من أجل ديمقراطية مزعومة؟
– وإذا كان لديهم إجابات فليقولوا ذلك علنا، وليشرحوا لنا كمعارضة أين تكمن مصالح سورية، وشعبها، هل مع من دافع عن سورية من التدخل العسكري الأجنبي، وتحالف مع جيشها في مكافحة الإرهاب أو مع أولئك الذين ضخوا مليارات الدولارات، وأطنان السلاح، لتنظيمات تكفيرية من أجل تسعير نار الحرب والدمار والقتل والتشريد ولحساب من؟ لحساب إسرائيل وحدها، ولحساب غرائز الانتقام والقتل لدى حكام السعودية وقطر والغرب!!
لا يضير المعارضة أن تعلن عن هويتها السياسية ويمكن لها أن تقبل بحكم الشعب، وأن تقبل بصناديق الاقتراع مخرجاً وحيداً لمعرفة وزنها وحجمها وتتوقف عن التبجح بما ليس لديها، وتتوقف عن الاستقواء بعضلات غيرها التي ضمرت وأضمحلت.
لا تتوقف الأسئلة المشروعة للمعارضة السورية على الجانب السياسي، إذ أرى أن البعدين الاقتصادي والاجتماعي لا يقلان أهمية عن السياسي فنحن بحاجة لإجابات شفافة بشأن المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها فئات واسعة من المجتمع السوري من (التعليم المجاني إلى الطبابة) إلى مكاسب عديدة تحققت عبر عقود طويلة من الزمن! هل يريدون أن يحولوا سورية إلى مرتع للشركات متعددة الجنسيات الغربية التي اعتادت أن تشن الحروب من أجل مصالحها، وليس من أجل قيم خلبية يثبت لدينا كل يوم أنها اختراع غربي للتدخل، وبسط النفوذ، فالغرب لا يعرف لغة التحالف، وإنما لغة الخضوع والإملاءات، وحلفاء المعارضة أنموذج حي للمآل الذي وصلوا إليه (السعودية – تركيا) ولذلك عليهم أن يطرحوا برنامجاً شفافاً في هذا الشأن كي يكون بإمكاننا أن نحكم على هذه المعارضة حكماً علمياً وموضوعياً.
إن الحديث الذي جرى مؤخراً عن عقد مؤتمر موسع للمعارضة السورية بعد سقوط جنيف وتوابعها ورهن الحوار السوري السوري بالتطورات الميدانية، ومجيء دي ميستورا بمشروع مشبوه، يضع كل الأسئلة المشروعة السابقة على طاولة المعارضين الذين تحولوا إلى أوراق مبعثرة بين عواصم مختلفة استأجرتهم لتحقيق مصالحها الخاصة، وتصفية حساباتها على حساب الشعب السوري.
الحل المنشود هو بالوحدة خلف الجيش الوطني الذي يقاتل الإرهاب، ويمنع مشاريع التقسيم والتفتيت، وببرنامج وطني شامل يوحد السوريين ولا يفرقهم ويسقط من أجندته موظفي وزارات الخارجية السعودية والقطرية والتركية والأميركية والبريطانية والفرنسية والإسرائيلية الذين عملوا بصفة معارضة سورية، ويقدم رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية لمعارضة تقرأ الواقع ومتغيراته وتفخر بجيشها وشعبها الصابر ولا تقسمه على أي أسس (مذهبية أو إثنية) وإنما تجمعه على أسس وطنية شاملة لدعم سورية قوية مستقلة تؤمن بالتنوع وبالعلمانية وترمي إلى مزابل التاريخ تجار الدين والسياسة وأصحاب الأحقاد والضغائن ومرتزقة آبار النفط والغاز.
آن لنا أن نفتخر بمعارضة سورية ترتقي إلى مستوى آلام وآمال الشعب السوري وتخرج من أوهامها رهاناتها لنعمل معاً يداً بيد من أجل سورية أكثر عدالة وقوة ونبني وطناً يتسع لكل أبنائه المنتجين والمخلصين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock