مقالات وآراء

أهداف «اتفاق الحاجة».. وتذبذب «قسد»

رغم بروز العديد من مؤشرات التناقض والتصعيد بين واشنطن وأنقرة، إلا أن الجانبين تمكنا من الوصول لاتفاق أقل ما يمكن وصفه بأنه «اتفاق الحاجة» لذلك استعجلا التوصل إليه خلال اجتماع ماراتوني زاد عن أربع ساعات تمخض عنه ثلاثة عشر بنداً، أعلن عنها ممثلو الجانبين في مؤتمرين منفصلين وهذا يعزز فكرة التناقض والحاجة، ناهيك عن نفور تفسير تسميته، والتي في نهاية المطاف لا تصب في مصلحة الشعب السوري ولا سيادته ولا تبعث على التفاؤل في إمكانية الوصول إلى حل سياسي تفاوضي للأزمة متعددة الأطراف في شمال شرق سورية في الوقت الحالي على الأقل.
الحاجة لهذا الاتفاق تركياً، لا تقل عن نظيرتها الأميركية، وكل منهما يريد توظيفها على الصعيد الداخلي لتخفيف حجم الضغوط وتمكين تموضع الرئيسين التركي رجب أردوغان والأميركي دونالد ترامب اللذين يريدان الحفاظ على «شعرة معاوية» بينهما للحفاظ على تماسك الأطلسي، فرئيس النظام التركي رجب أردوغان أراد تفادي حزمة جديدة وأكثر شدة من العقوبات الاقتصادية التي لوح بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي ذات الوقت لا يبدو أنه سيفرط بفرصة استطاع بها جذب الشارع التركي خلفه بما فيهم الأحزاب القومية، وهو يسارع لإقامة ما يسمى المنطقة الآمنة لتوطين أكثر من مليون شخص في هذه المنطقة والتي من المحتمل أن تتحول إلى مركز تجمع لكل المسلحين الموالين لتركيا مع عائلاتهم، إضافة إلى عشرات الآلاف من عناصر جبهة النصرة الأجانب أو السوريين ممن سيغادرون إدلب بعد الاتفاق النهائي الذي توصل إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان في سوتشي أمس.
ترامب يبدو أنه ما زال حريصاً على إدارة تناقضاته بما يحقق مصالحه الانتخابية وتخفيف وتيرة حجم الضغوط عليه من أصحاب الرؤوس الحامية والخشية من تفاقمها مع الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ وإسكات المعترضين من داخل حزبه الجمهوري، فضلاً عن تفادي مواجهة المؤسسات الدولية العميقة وخاصة البنتاغون والتي ترى أن قرار انسحابه من سورية هو بمثابة إعلان نصر ثلاثي سوري، روسي، إيراني، ومن شأنه تقويض الهيبة الأميركية في النظام الدولي، وأخيراً في محاولة أميركية لخلق التوتر مابين تركيا وروسيا قبل اجتماع بوتين وأردوغان الذي بدأ مع نهاية الفترة الزمنية للاتفاق التركي الأميركي.
اتفاق الحاجة هذا طرح العديد من التساؤلات في مقدمتها: هل واشنطن تريد الانسحاب الفعلي من سورية أم أعيد احتواء قرار ترامب مجدداً ليكون جزئياً وشكلياً مع المحافظة على التدخل التأثيري السياسي عبر تركيا و«قسد» وعسكرياً عبر الحفاظ على قاعدة التنف وإقامة قاعدة جديدة أو توسيع قواعدها على الحدود السورية العراقية؟ وهل «قسد» ما زالت تراهن على الحماية الأميركية رغم طعنها من الظهر؟ والسؤال الأبرز والأهم: ما مصير تفاهم «قسد» مع الحكومة السورية والذي تبدو هشاشته بارزة في ظل استمرار التنسيق مع الأميركي وتسليم رأس العين للاحتلال التركي؟
الإجابة عن هذه الأسئلة في محاولة استشفاف شكل الصراع والسيناريوهات المحتملة تحتاج إلى الكثير من الشفافية والموضوعية في مقاربتها:
1- من الواضح أن الأميركي لن ينسحب بشكل كامل من سورية، وسحب ألفي جندي لا يعني أن تأثيرها انتهى من الجغرافية السورية والدليل على ذلك يكمن في:
– تعتبر واشنطن هي الرابح الأول من هذا الاتفاق لأن نفوذها سيبقى عبر تركيا أولاً والتي تعتبر نفسها الرابح الثاني بسبب حصولها على شرعية الاعتراف بما يسمى المنطقة الآمنة من شريكتها في الناتو، وثانياً عبر «قسد» والتي أكد قائدها العام مظلوم عبدي لوسائل إعلام فرنسية، أن «قواتهم ترغب في استمرار وجود الدور الأميركي في سورية لخلق توازن على الأرض»، رغم أن «قسد» هي الخاسر الأكبر في الصفقة الأميركية التركية وفق وصف المرشحة الرئاسة تولسي غاربرد مضيفة في تغريدتها: «قال ترامب للكرد: لقد حصلت لكم على عرض عظيم، أعطيت أرضكم وبيوتكم لتركيا، ومعكم خمسة أيام لتجهزوا أغراضكم مع عائلاتكم وترحلوا قبل أن يتم ذبحكم».
– ذريعة محاربة الإرهاب والتي لم يستبعدها وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر مرجحاً استمرار عمليات ما يسمى التحالف ضد داعش، وتمسك واشنطن بالهيمنة على الأجواء الشمالية السورية.
– إفراغ الإنجاز السوري باستعادة المنطقة الشمالية من مضمونه وتمثل ذلك في اتجاهين:
الأول: تأكيد الرئيس الأميركي أن النفط السوري تم تأمينه تزامناً مع تنصل «قسد» تسليم المنطقة الممتدة من المالكية حتى اليعربية للجيش السوري، الأمر الذي يشي بنقل هذا النفط وبيعه في العراق بحماية أميركية وحرمان سورية منه في إطار استمرار الحصار الاقتصادي عليها.
الثاني: إلقاء مهمة حماية سجون داعش لتركيا بالتزامن مع نقل واشنطن قيادات أجنبية وعربية مع عوائلهم نحو جهات مجهولة لإعادة توظيفهم من جانب وللسماح بتركيا بابتزاز أوروبا أمنياً للحصول على 27 مليار دولار لتمويل بناء «المنطقة الآمنة» من جانب آخر ولقطع أي إمكانية تواصل وانفتاح أمني يمهد لتطبيع العلاقات بين الدول الأخيرة مع دمشق.
– الرغبة الأميركية في خلط الأوراق قبل «قمة سوتشي» واستمرار محاولتها خلق التوتر بين دول محور أستانا، والحفاظ على صيغة التعقيد في الشمال السوري لمنع روسيا من التفرد بإمساك زمام المبادرة بعدما تمكنت من إحداث خرق تمثل باستثمار قرار الانسحاب الأميركي للتوصل لصيغة تفاهم عسكري سوري مع «قسد» لوقف تمدد العدوان التركي والتمهيد بالشراكة مع إيران والعراق لإنجاز مصالحة سورية تركيا عبر العودة لاتفاق أضنة وإدخال بعض التعديلات عليها.
2- توجه «قسد» خلال الفترة القادمة: وهذا يطرح إشارة استفهام كبيرة عن انتمائها وتوجهاتها ودورها وخاصة بعد قيامها بالانسحاب من مدينة رأس العين وتسليمها للاحتلال التركي، رغم توصلها لتفاهم مع الجيش السوري يتضمن أن يقوم الأخير بنشر قواته على الحدود لمنع التوغل العدواني التركي.
وهذا يطرح السيناريوهات التالية:
– أن تتنصل «قسد» مجدداً من تفاهمها مع حكومة دمشق وتعود لتعليق آمالها على الوعود الأميركية لإقامة كيان منفصل وفق ما نقلته شبكة «فوكس نيوز» مساء الأحد الماضي عن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام بأن ترامب أخبره أن الخطة المتفق عليها هي إنشاء منطقة عازلة غير عسكرية بين تركيا والكرد تديرها قوات دولية لا أميركية مع بقاء الغطاء الجوي في شمال شرق سورية تحت سيطرة القوات الأميركية، وأضاف السيناتور غراهام بأن هذه خطة تاريخية ستضمن الأمن لحليفتنا تركيا ولحلفائنا الكرد كما قمنا بتأمين مصادر النفط بإشراف «قسد».
هذا السيناريو أشار له ترامب في رسالته لأردوغان عندما طالبه بلقاء قائد قوات «قسد» مظلوم عبدي، حيث قال له إن الأخير مستعد لتقديم تنازلات لتركيا «غير مسبوقة».
– سعي «قسد» للقفز على الحبال إلى التنسيق على محورين متناقضين لتحقيق أفضل الخيارات، الأول مع واشنطن ومن خلالها مع أنقرة، والثاني مع دمشق وموسكو وذلك بهدف فرض واقع ميداني عسكري وإنجاز سياسي يكون قريباً من طموحها في ترسيخ ما يسمى الإدارة الذاتية، وهذا ما يفسر التوصل إلى تفاهم وليس اتفاقاً مع الحكومة السورية أولاً وثانياً قد يؤدي ذلك إلى قضم المزيد من الجغرافية الشمالية لسورية من الاحتلال التركي مع اقتراب انتهاء الاتفاق الذي وصفه الأتراك بأنه تجميد للقتال وليس انتهاءه.
ولتحسين موقعها التفاوضي قبل الاجتماع الذي انعقد بين «قسد» والجانب الروسي في مدينة القامشلي لنقل مطالبهم لدمشق في إطار المساعي الحميدة التي تبديها موسكو، رغم اتهامها من قبل القائد العام لـ«ـقسد» بأنها «تساند تركيا وتحمي مصالحها»، واصفاً الدور الروسي بـ«السلبي».
3- الموقف السوري وتمثل بزيارة الرئيس بشار الأسد لريف إدلب الجنوبي ولقائه مع القوات السورية المرابطة على خطوط التماس لتحمل معها بعدين سياسي وعسكري بما تتضمنه من رسائل للمجموعات الإرهابية والدول المعتدية على سورية ومن يراهن عليهما:
سياسي تتضمن احتمال عودة إدلب من خلال اتفاق يحصل في سوتشي بين بوتين وأردوغان عبر نقل المجموعات المسلحة باتجاه الشمال الشرقي، وخاصة بعد اجتماع الموسع الذي حصل بين الجانبين السوري والروسي قبل أيام أثناء زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف.
وفي حال فشلها فالخيار السابق فإن الخيار العسكري سيكون حاضراً وحاسماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock