مقالات وآراء

إلغاء الاتحاد العام النسائي ما البدائل؟

شكل إصدار الرئيس بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 16 تاريخ 23 نيسيان الماضي، المتضمن إلغاء القانون رقم 33 لعام 1975، وتعديلاته، المتضمن إحداث الاتحاد العام النسائي، مفاجأة لكثير من الأوساط الشعبية والمثقفة، التي تهامست حول سبب إلغاء هذه المنظمة الشعبية التي بلغ عمرها 41 عاماً منذ إحداثها.

في الحقيقة، فإن ما جرى الهمس بشأنه هو أنه لم يجر تقديم المبررات التي تقف خلف هذا الإلغاء المفاجئ، ولم نسمع مسؤولاً بعثياً يشرح للرأي العام الأسباب التي دفعت الأمور بهذا الاتجاه بالأرقام، والإحصائيات والأسباب الاجتماعية أو السياسية أو التنظيمية أو حتى المالية، بهدف الحصول على الدعم اللازم من جهة، ومناقشة البدائل المحتملة والممكنة في ضوء ما تمر به البلاد من ظروف حرب معقدة وقاسية، وآمل أن نستمع أو نقرأ شيئاً من هذا يُقدم للرأي العام.

إذا كانت هموم السوريين وحياتهم الصعبة والقاسية في المعيشة والمال والاقتصاد، تحتل الأولوية على أي اعتبار آخر أو قضية مثل «إلغاء الاتحاد العام النسائي»، لكن ذلك لا يلغي وجود اهتمام لدى أوساط مختلفة لمعرفة الأسباب والدوافع.

بعض الآراء التي وصلتني عبر خدمة «الواتس آب» تحدثت عن أن تجربة الأربعين عاماً انتهت، وتساءلت هل يصب هذا في مصلحة الوطن؟ وهل كان من المستحيل تفعيل ودعم الاتحاد العام النسائي؟

ويذهب أصحاب وجهة النظر هذه للقول: إنه لو أرادت الدولة إنجاح أي تجربة لفعلت ذلك، ويضربون مثالين، الأول: «الأمانة السورية للتنمية»، وهي مؤسسة سورية غير حكومية وغير ربحية هدفها تمكين المجتمعات للأفراد إضافة لإشراكهم بالأعمال التنموية حتى يستطيعوا أداء دورهم الكامل في بناء المجتمع وصياغة المستقبل، ويقولون: صحيح أن «الأمانة السورية للتنمية» أقامت العديد من المشاريع التنموية ما بين 2001 و2011 واستطاعت جذب مصادر تمويل مختلفة بعيداً عن إرهاق موازنة الدولة كما كان الأمر بالنسبة للعديد من المنظمات الشعبية، لكنهم في الوقت نفسه، يرون أن الاتحاد العام النسائي أهمل واقتصرت نشاطاته على إقامة الاحتفالات والزيارات الرسمية وبعض النشاطات المحددة، وكانت ميزانيته لا تتعدى 1 بالمئة من حجم الدعم المقدم لـ«الأمانة السورية للتنمية» مثلاً، ما انعكس سلباً على حضور وفاعلية الاتحاد العام النسائي وباقي الاتحادات والنقابات على الشرائح المجتمعية السورية، وأنا هنا أنقل هذا الرأي بالحرف.

أما المثال الثاني لما يصفونه إرادة الدولة في إنجاح تجربة «ما»، فيتحدثون عن حركة «القبيسيات» الدينية التي ظهرت علناً عام 2005، لكن وجودها الفعلي قد يعود لتسعينيات القرن الماضي، ويقولون إن الجهات الرسمية السورية سهلت عمل هذه الحركة في استقطاب المريدات في سورية وفق خطاب ديني سلس يعادي «التطرف»، ليصل عدد أعضاء الحركة إلى أكثر من 600 ألف، دون وجود رقم دقيق، وليمتد نشاطها إلى قطاعات واسعة نظراً لتلقيها الدعم من تبرعات.، وهبات من التجار والصناعيين والطبقة الثرية في المجتمع، إضافة لدعم حكومي عبر وزارة الأوقاف، ويرى أصحاب هذا الرأي أن هذه الحركة الدينية كانت أكثر انفتاحاً وحداثة ونشاطاً من الاتحاد العام النسائي!

لكن وجهة نظر أخرى قد تبدو غاضبة تحدثت عن أن إنهاء تجربة الاتحاد العام النسائي الطويلة، والغنية لم يُقدم لها التبريرات والتوضيحات المطلوبة أقله للكثير من المناضلات اللواتي قضين جزءاً من حياتهن في هذه المنظمة الشعبية، وأنه لا يجوز إلقاء اللوم على الاتحاد النسائي في الوقت الذي لم يكن يتلقى من الدعم المادي والإعلامي، إلا النزر اليسير، وكان يتبع لأحد مكاتب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي دون أي برنامج تطويري وتحديثي له، حسب ما يقول هؤلاء!

إن الرأيين اللذين وصلاني ودفعاني للكتابة عن هذا الموضوع، يتطلبان مني أن أبدي بعض الملاحظات:
آخر محاضرة ألقيتها في مكتبة الأسد الوطنية كانت برعاية الاتحاد العام النسائي، وأتمنى أن لا يكون حضوري قد شكل فأل شر بالنسبة لهذه المنظمة الشعبية، ولكني شعرت خلال حديثي مع المناضلة الأخت رغداء الأحمد، رئيسة الاتحاد، أن لديها هموماً ومتاعب كثيرة، إضافة لشعورها بالحاجة الماسة لإصلاح وتحديث الاتحاد، وافتخرت بحجم انتشار هذا الاتحاد ووجوده على الأرض في الكثير من الأماكن، والدور الذي أدته عضوات الاتحاد على امتداد الساحة الوطنية، والجانب التطوعي في عمل هذه المنظمة الشعبية، لكن الشكوى كانت من ضعف التمويل.

لا يجوز رمي الأخطاء والتقصير على الآخرين، أو على رغبة الدولة في إنجاح هذه التجربة أو تلك، وإنما لابد لنا من أن نعترف أيضاً بأن الكثير من قياداتنا عجزت عن ضخ روح جديدة أو تحديث أدوات ووسائل العمل النقابي والاتحادي، حتى أصاب هذه المنظمات والاتحادات الترهل ونخرها الفساد، وعجزت عن استقطاب المزيد من الأعضاء بطواعية بخطاب متجدد يأخذ بالاعتبار التحولات الجارية في محيطنا القريب والبعيد.

لقد طرحنا في إحدى حلقات النقاش ضرورة تجديد أدواتنا بما يتناسب مع رغبات وتطلعات الأجيال الصاعدة، وإنتاج منظمات مجتمع أهلي قادرة على مواكبة التحديات، وهي ضرورة لنا قبل أن تأتينا هذه المنظمات بألف لبوس ولبوس، وآنذاك خرج البعض للقول: إن ذلك سيضر بمنظماتنا الشعبية من دون أن يعرف هؤلاء أن أي شيء لا يتطور مع العصر ينتهي ويموت، كما هو حال الإنسان الذي لا يواكب علوم العصر.

كثير من العلمانيين في سورية يلقون باللوم على التيار الديني بأنه ينتشر ويتوسع سواءٌ أكان الأمر بالنسبة للحركة القبيسية أو غيرها، ولكنهم لا يسألون أنفسهم ماذا فعلوا هم، ومن منعهم من العمل والنشاط، والأهم تقديم القدوة لشباب جدد مختلفين عما نعرفه سابقاً.

ومع كل ذلك فإنه من الواضح لي أن كثيرين يريدون ضمناً أن يجري تقديم المبرر المنطقي، والتحليلي والمقنع لحل الاتحاد العام النسائي، والأهم من كل ذلك ما البدائل المطروحة والرؤية المستقبلية لتنظيم وترتيب اتحاداتنا ونقاباتنا ومجتمعنا الأهلي بطريقة عصرية، وقادرة على تلبية احتياجات شعبنا وبلدنا والتحديات الصعبة التي تنتظرنا في كل المجالات.

سننتظر سماع كل وجهات النظر، لأنه من حق الرأي العام السوري أن يستمع لها، وأن يقتنع بها، وبانتظار المبررات ستبقى الآراء همساً، ونحن في وضع لا بد أن ننتهي فيه من عصر الهمس واللمز، إلى عصر الوضوح والشفافية، الذي ندعو إليه جميعاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock