اقتصادالعناوين الرئيسية

إلغاء «قانون قيصر».. نقطة تحوّل في المسار الاقتصادي والسياسي

المصري لـ "الوطن": سوريا أمام فرصة تاريخية للتعافي

شكّل تصويت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح الصيغة النهائية لقانون موازنة وزارة الدفاع لعام 2026، متضمنّاً إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب ما يُعرف بـ«قانون قيصر»، محطة مفصلية في مسار السياسة الأميركية تجاه سوريا، ويُمثّل أحد أهم التحولات في البيئة القانونية والاقتصادية التي حكمت العلاقة بين دمشق والعالم خلال السنوات الماضية.

وفق ما أكده لـ “الوطن” د. عبد الحكيم حسين المصري وزير الاقتصاد السابق في حكومة الإنقاذ، مبيناً أن اللافت في هذا القرار ليس مضمونه فحسب، بل حجم التوافق السياسي الذي حظي به داخل المؤسستين التشريعيتين في الولايات المتحدة.
فقد أقرّ مجلس الشيوخ إلغاء العقوبات بأغلبية واسعة بلغت نحو 77 صوتاً من أصل 100، قبل أن يُحال المشروع إلى الرئيس الأميركي للتوقيع عليه، في مؤشر واضح إلى وجود قناعة متزايدة داخل واشنطن بأن نظام العقوبات السابق لم يعد يُحقّق أهدافه السياسية أو الإنسانية.

قانون أُدرج لتسهيل العقاب لا لحماية المدنيين

المصري أكد أنه عند إقراره عام 2019، جرى إدراج «قانون قيصر» ضمن موازنة وزارة الدفاع الأميركية تحت مسمى «قانون حماية المدنيين السوريين»، في خطوة هدفت إلى تسهيل تمريره تشريعيّاً. إلا أن التطبيق العملي للقانون أظهر أن آثاره تجاوزت الإطار السياسي ليستهدف بشكل مباشر البنية الاقتصادية السورية، ويُقيّد قطاعات حيوية تشمل الطاقة، والطيران، والتمويل، والاستثمار، فضلاً عن عزل النظام المصرفي السوري عن النظام المالي العالمي، ولا سيما نظام التحويلات الدولية (SWIFT).

وقد أدى هذا الإطار العقابي إلى خلق بيئة عالية المخاطر، ليس فقط للجهات الخاضعة للعقوبات، بل أيضاً لأي أطراف ثالثة تفكر في التعامل الاقتصادي أو الإنساني مع سوريا، ما ضاعف من معاناة المدنيين، وأغلق فعليّاً أبواب الاستثمار وإعادة الإعمار.

ما بعد العقوبات: فرصة اقتصادية مشروطة بالإصلاح:

ويرى المصري ان  إلغاء «قانون قيصر» يُمثّل تحولاً جذريّاً في المشهد الاقتصادي السوري.

فمن الناحية النظرية، تصبح سوريا اليوم خارج منظومة العقوبات الأميركية، الأمر الذي يفتح المجال أمام عودة الاستثمارات العربية والأجنبية، ويعيد تفعيل التحويلات المالية والقطاع المصرفي، ويمنح المستثمرين درجة أعلى من اليقين القانوني.

غير أن هذا التحوّل لا يعني بالضرورة انطلاقة تلقائية للاقتصاد السوري. فالمرحلة المُقبلة تضع مسؤولية كبيرة على عاتق الدولة السورية، التي بات مطلوباً منها تهيئة بيئة استثمارية حقيقية، تبدأ بإصلاح الإطار التشريعي والقانوني، وضمان حماية حقوق المستثمرين، وتعزيز استقلالية القضاء، وتطوير قطاع التأمين، إلى جانب إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، ولا سيما الكهرباء والمياه والاتصالات وشبكات النقل.

انعكاسات اجتماعية واقتصادية واسعة:

وفي حديثه عن المستوى  المستوى الاجتماعي، قال: من المتوقّع أن يؤدي تدفّق الاستثمارات إلى خلق فرص عمل واسعة، وارتفاع الطلب على اليد العاملة، وتحسّن مستويات الأجور والدخل، ما ينعكس إيجاباً على مستوى المعيشة.
وعلى المستوى الكلي، قد يشهد الاقتصاد السوري ارتفاعاً في الناتج المحلي الإجمالي، وتحسّناً في الصادرات، واستقراراً تدريجيّاً في ميزان المدفوعات وسعر صرف العملة.

ومايجب توضيحه أنه لا يمكن استبعاد حدوث ضغوط تضخمية في المراحل الأولى من التعافي، نتيجة زيادة الطلب وتحسّن الدخل، إلا أن هذه الظاهرة تبقى طبيعية في الاقتصادات الخارجة من أزمات عميقة، وغالباً ما تتبعها مراحل من الاستقرار والنمو المستدام إذا ما ترافقت مع سياسات اقتصادية رشيدة.

عودة سوريا إلى الاقتصاد الإقليمي والدولي:

وأضاف: إن الأثر الأعمق لهذا القرار يكمن في إعادة دمج سوريا تدريجيّاً في الاقتصادين الإقليمي والدولي.

فرفع العقوبات يُمهّد الطريق أمام مشاريع إعادة الإعمار، ويتيح تفعيل الصناديق الدولية المخصصة لذلك، ويُشجّع الدول والمؤسسات المالية على الانخراط مجددّاً في السوق السورية.

وأفاد بأن  سوريا تمتلك مقوّمات اقتصادية حقيقية في قطاعات الزراعة، والصناعة، والطاقة، والسياحة، وقد كانت تاريخيّاً دولة منتجة للقمح والقطن والطاقة، لا مجرد اقتصاد خدماتي.

وإعادة تفعيل هذه القطاعات من شأنها أن تعيد لسوريا موقعها الطبيعي في سلاسل الإنتاج الإقليمية والدولية.

لحظة مفصلية ومسؤولية تاريخية:

وختم الدكتور المصري حديثه بالتأكيد على أن إلغاء «قانون قيصر» لا يُمثّل نهاية التحديات التي تواجه سوريا، لكنه بلا شك يفتح نافذة تاريخية لإعادة البناء الاقتصادي والسياسي. نجاح هذه المرحلة سيعتمد على قدرة الدولة السورية على استثمار هذه الفرصة من خلال الإصلاح، وتحقيق الاستقرار الداخلي، وبناء الثقة مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

هناء غانم

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock