مقالات وآراء

إلى متى احتواء المواجهات؟

يسعى رئيس حكومة كيان العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الاستفادة القصوى من فترة ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لأن نتنياهو يعلم أن نمط تفكير ترامب ومقارباته فيما يتعلق بالسياسات الدولية والإقليمية إضافة إلى فريق عمله المُقرب منه وبالأخص صهره جاريد كوشنر، تُعتبر فرصة تاريخية نادرة لإسقاط مفاعيل ما يسمى «عملية السلام» وخصوصاً فكرة حل الدولتين وفي مقدمها تقسيم مدينة القدس إلى عاصمتين منفصلتين للدولتين الموعودتين، ما يعني توسعة الحدود المفترضة لدولة «إسرائيل» بما يتلاءم مع ما يسميه قادة هذه الدولة حدود الأمن القومي والاطمئنان لليهود من سكان الكيان والمستوطنات، كما يعني أيضاً أن لا حدود جغرافية يمكن أن تقف عندها الأطماع الإسرائيلية، كذلك المحاولات لتوسعة النفوذ السياسي والاقتصادي ومؤخراً الاجتماعي والسيطرة العسكرية المباشرة أو بالوساطة على دول المنطقة كافة في حال تعذر توسعة الحدود البرية والبحرية كما هي الحال مع سورية ولبنان تحديداً.

ولتحقيق ذلك يعمل نتنياهو كـ«دينمو» محرك ليس فقط يدير السياسات الأميركية في العالم العربي والشرق الأوسط وإنما يتحكم أيضاً بتوجيه وقيادة هذه السياسات بما يخدم فرصته النادرة في جرجرة بعض الأنظمة العربية وتحديداً الخليجية، إضافة إلى تلك المرتبطة مع الكيان الإسرائيلي بمعاهدات سلام إلى تعاون عسكري وأمني مشترك قد يُفضي إلى معاهدات في المجالات ذاتها ، بعدما كان أقصى طموحات قادة هذا الكيان السابقين صياغة علاقات تبادل تجاري خجولة مع بعض تلك الأنظمة.

لاشك أن الواقع العربي والإسلامي المأزوم الذي صنعته الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل من خلال رعايتها لكل حركات الإرهاب الطائفية التكفيرية، إضافة إلى عدوانهما المباشر على بعض الدول العربية وحصارهما لأخرى عربية وإسلامية، شكل أرضية خصبة لتحقيق مطامع وطموحات قادة كيان العدو الإسرائيلي في هذا التوقيت.

لكن على الرغم من شراسة الهجمة الأميركية- الإسرائيلية- الخليجية- التركية التي طالت العراق وسورية ولبنان وفلسطين، وبشكل غير مباشر إيران أو ما يصطلح على تسميته «محور المقاومة»، فإن هذا المحور نجح فعلاً في التصدي لهذه الهجمة وتعطيل مفاعيلها السياسية الهادفة إلى تقطيع أوصال المحور المذكور سياسياً وجغرافياً، إضافة إلى محاولة إنهاء قدرته على منع تمرير ما سمي «صفقة القرن» وتصفية القضية المركزية العربية والإسلامية: فلسطين.
وهنا يبرز السؤال: هل ستكف الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل عن المحاولات التي باتت اليوم عسكرية مباشرة على سورية وحزب الله ومن خلالهما على باقي دول وقوى محور المقاومة؟

من المؤكد أن الإدارة الأميركية الحالية ومن خلفها المؤسسة العسكرية- الأمنية لن تقبل الهزيمة ولو المُقنّعة في العراق وسورية ولبنان معاً، لذلك فإنها لن تتوقف عن ابتداع طرق وأساليب للنيل من سورية سياسياً ومن ثم عسكرياً، وما نشهده في مجلس الأمن من دعوات متكررة مباشرة أو عبر بريطانيا وفرنسا لإصدار قرارات عاجلة وعشوائية تشرعن أي اعتداء عسكري كان تعبيراً عن يأسٍ من إمكانية التأثير في الميدان بعدما عجزت المجموعات الإرهابية التي ترعاها عن تحقيق تلك الغاية.

وفي موازاة ذلك، فإن حكومة العدو الإسرائيلي لن تقبل أيضاً التموضعات العسكرية المتقدمة لقوى المقاومة على خطوط التماس مع جيش هذا العدو، هذه التموضعات التي وحدت الجبهات إضافة إلى أنها أرست قواعد مواجهة خفية على هذا العدو ولا يمكن اكتشافها سوى في حال قيامه بعدوان يُفجر حرباً أيضاً غير معلومة النتائج.

يبدو أن حالة الاحتدام السياسي- العسكري التي تعيشها المنطقة لم تجد لها متنفساً يُبَرّد أجواءها أو يحد من اندفاعات اللاعبين الدوليين والإقليميين فيها نحو حرب تعيد صياغة توازنات تسمح برسم حدود المصالح والنفوذ للقوى الفاعلة على مساحة الشرق الأوسط والعالم. لكن من سيجرؤ على إطلاق شرارة هذه الحرب، هي خطوة تراجعت عنها إسرائيل بعد إسقاط إحدى طائراتها العسكرية وبعد أن وصلت الصواريخ الأرضية السورية إلى داخل كيان العدو، كما أنها محاولة تقف عند حدود ملاحقة تحركات «حزب الله» الميدانية داخل الأراضي السورية من دون المتابعة إلى الأراضي اللبنانية.

ترزح المنطقة اليوم تحت وطأة المراوحة بين الاحتواء المدروس للمواجهات أو الانتقال إلى الانفلات الذي سيقود إلى تداعيات مجهولة، والمعروف أن المراوحة لا يمكن أن تهيئ الظروف المؤاتية لصياغة حلول سياسية ما لم يفرض الميدان حلاً يحسم التوقعات لمصلحة المنتصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock