اقتصادالعناوين الرئيسية

اقتصاد بغرفة الاهتمام نحو التعافي.. التحديات كبيرة والآمال أكبر

تحاول سوريا اليوم أن تستعيد إيقاعها الاقتصادي وسط ركامٍ ثقيل ورهانات أكبر من قدرتها على الاحتمال. بلدٌ يخرج من أوسع عملية تحرير في تاريخه الحديث، لكنه يدخل مباشرة في اختبار أصعب، اختبار بناء اقتصادٍ دُمِّر قطاعاً بعد آخر، وتُرك ليواجه العقوبات، بين انهيار عملة، ونزيف كفاءات، وبنية تحتية منهارة.

رغم الصورة القاتمة، يلوّح في الأفق حراك اقتصادي لا يمكن إغفاله، حراكٌ يرصده أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة حماة، الدكتور عبد الرحمن محمد، الذي يُقدّم قراءة دقيقة لمشهد اقتصادي يتأرجح بين إنجازات أولية تبعث على الأمل، وتحديات بنيوية تعيد الجميع إلى مربّع الحقيقة.

دخل الاقتصاد السوري مرحلة جديدة في أعقاب تحرير معظم الأراضي السورية، ويواجه هذا الاقتصاد تحديات استثنائية تتمثل في بنية تحتية مُدمّرة، وقطاعات إنتاجية متعثرة، وبيئة اقتصادية مُعقدّة محلياً وإقليمياً ودولياً، بنظرة تحليلية يستعرض الدكتور عبد الرحمن محمد أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد في جامعة حماة حالة الاقتصاد السوري بعد عام من التحرير، مع التركيز على الإنجازات المتحقّقة، والمتطلبات المستقبلية، والتحديات البنيوية التي تواصل عرقلة عملية التعافي.

ونوه أستاذ الاقتصاد بأن الاقتصاد السوري شهد بعد عام من التحرير عدة إنجازات على الرغم من الظروف الصعبة، تتجلى باستعادة الأمن النسبي، حيث أدت عمليات التحرير إلى عودة الاستقرار الأمني النسبي في مناطق واسعة، مما سمح بإعادة فتح الطرق التجارية الرئيسة بين المحافظات، وتدفّق السلع الأساسية، وعودة جزئية للنشاط التجاري، وإعادة تشغيل البنية التحتية الأساسية عبر إصلاح وإعادة تشغيل عدد من محطات توليد الكهرباء وخطوط نقل الطاقة، وإعادة تأهيل شبكات المياه في بعض المناطق، وإصلاح طرق ومجاري تصريف أساسية، مما ساهم في تحسين ظروف المعيشة، و. انتعاش جزئي للزراعة، إذ شهد القطاع الزراعي تحسناً ملحوظاً مع عودة المزارعين إلى أراضيهم في العديد من المناطق، وزيادة المساحات المزروعة، مما أدى إلى تحسين الأمن الغذائي نسبياً.

إضافة إلى عودة محدودة للصناعة حيث استأنفت بعض المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة عملها، وخاصة في قطاعات الأغذية والمواد الإنشائية، مستفيدة من الطلب المحلي على مواد البناء لإعادة الإعمار، وذلك بالتوازي مع استقرار جزئي للعملة، حيث شهدت الليرة السورية استقراراً نسبياً بعد سنوات من الانهيار الحاد، نتيجة لتدخلات مصرفية وضوابط على صرف العملة، رغم استمرار التحديات الكبيرة في هذا القطاع.

وحول المطلوب للوصول إلى تعافٍ اقتصادي حقيقي، رأى محمد أنه يتطلب الاقتصاد السوري إنجاز عدد من الأولويات الحيوية، عبر خطة شاملة لإعادة الإعمار تركّز على إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية (الكهرباء، والمياه، والنقل، والاتصالات) مع أولوية للقطاعات الإنتاجية لخلق فرص العمل، يترافق مع إصلاح النظام النقدي والمصرفي مشدداً على ضرورة معالجة أزمة السيولة، وإصلاح النظام المصرفي، ووضع سياسة نقدية واقعية تعيد الثقة بالليرة السورية كوسيط للتبادل ومخزن للقيم، بالتزامن مع تنشيط القطاعات الإنتاجية، إذا يتطلب الاقتصاد استثمارات مركّزة في القطاعات الإنتاجية الرئيسة (الزراعة، والصناعة، والسياحة) مع توفير الحوافز والتسهيلات اللازمة لإعادة تشغيل المنشآت المتوقفة. ومعالجة أزمة السيولة والاستثمار، فيجب تطوير آليات جذب الاستثمار المحلي والأجنبي، وتسهيل تحويلات المغتربين، وإيجاد حلول مُبتكرة لتمويل إعادة الإعمار في ظل العقوبات الدولية، مع ضرورة إصلاح النظام الضريبي والجمركي إذ يحتاج النظام الضريبي إلى إصلاح شامل يُوسع القاعدة الضريبية مع مراعاة الظروف الإنسانية، وتبسيط الإجراءات، ومكافحة الفساد، لجذب الاستثمارات وزيادة الإيرادات الحكومية. واستعرض أستاذ الاقتصاد التحديات الجسيمة التي يواجهها الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد التحرير والتي تُعرقل عملية التعافي، وعلى رأسها العقوبات الاقتصادية الدولية حيث تُشكّل العقوبات الاقتصادية تحدياً كبيراً، حيث تعوق عمليات الاستيراد للسلع الأساسية والتكنولوجيا، وتحول دون حصول سوريا على التمويل الدولي اللازم لإعادة الإعمار، إضافة إلى استمرار النزاعات، حيث لا تزال مناطق مهمة تحت سيطرة قوات غير حكومية، مما يحرم الاقتصاد السوري من موارده الرئيسة (النفط، الغاز، المياه، الأراضي الزراعية)، و أزمة السيولة والنظام المالي الهش، حيث يعاني النظام المصرفي شحّاً في السيولة، وارتفاع معدلات التضخم، وانتظام الاقتصاد الموازي، مما يُقوّض أي محاولات للإصلاح النقدي.

مضيفا: و دمار البنية التحتية والشلل الإنتاجي، إذ لا يزال مستوى الدمار في البنية التحتية والإنتاجية يتطلب استثمارات هائلة تتجاوز قدرات الاقتصاد السوري الحالية، وهجرة الكفاءات ونقص العمالة الماهرة، حيث أدت سنوات الحرب إلى هجرة واسعة للكفاءات والعمالة الماهرة، مما يخلق عائقاً أمام إعادة إعمار القطاعات الفنية والخدمية المتخصصة.
ولم يتجاهل أستاذ الاقتصاد التحديات الاجتماعية والإنسانية لافتاً إلى مخاطر أن يستمر ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والنزوح الداخلي، مما يحد من القدرة الشرائية ويعوق تشكيل سوق محلية قادرة على دفع عجلة النمو.

وختم بالقول: كرأي أكاديمي اقتصادي بعد عام من التحرير، يقف الاقتصاد السوري على مفترق طرق حاسم، فبينما حقق إنجازات أولية في استعادة الحد الأدنى من الاستقرار والنشاط الاقتصادي في بعض المناطق، إلا أن الطريق نحو التعافي الحقيقي لا يزال طويلاً وشائكاً، و نجاح أي خطة لإعادة الإعمار مرهون بقدرة أصحاب القرار على معالجة التحديات البنيوية الداخلية، وإيجاد حلول للمعضلات الإقليمية والدولية، ووضع سياسات اقتصادية واقعية تركّز على تنشيط القطاعات الإنتاجية وخلق فرص العمل.، وذلك يتطلب الأمر بيئة مؤسسية داعمة، ومكافحة الفساد، واستعادة الثقة بين الدولة والمواطن والمستثمر.

الاقتصاد السوري يتمتع بإمكانيات حقيقية للانتعاش بفضل موارده الطبيعية والبشرية وموقعه الجغرافي، لكن تحقيق هذه الإمكانيات يحتاج إلى إرادة سياسية واجتماعية، وتعاون إقليمي ودولي، وفوق كل ذلك، سلامٌ دائم وشاملٌ يُمهّد الطريق لعملية إعمار حقيقية تضع مصلحة الشعب السوري في مقدّمة أولوياتها.

محمد راكان مصطفى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock