اقتصادالعناوين الرئيسية

الاقتصاد السوري بعد عام من التحرير.. تبديل العملة ليس جزيرةً منعزلة عن الإصلاح الاقتصادي

ينتظر المجتمع السوري المعلومات الرسمية من مصرف سورية المركزي حول تفاصيل عملية تبديل العملة الوطنية، فقد وصف الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن هذه الخطوة ليست مجرد تغيير شكلي في الأوراق النقدية، بل هي إجراء اقتصادي عميق يرتبط مباشرة بالثقة العامة، الاستقرار النقدي، وضبط معدلات التضخم التي تشكل التحدي الأكبر أمام الاقتصاد السوري.

وأكد أستاذ الاقتصاد ضرورة أن يتضمن الإعلان تفاصيل دقيقة وشفافة حول عدد الفئات النقدية الجديدة والقيمة الاسمية لكل فئة، إضافة إلى كمية النقود المطبوعة مقارنة بالكمية التي ستطرح للتداول. فهذه المعلومات العلمية ضرورية لتقدير حجم الكتلة النقدية الجديدة، وضمان أن الإصدار النقدي لا يؤدي إلى زيادة غير محسوبة في التضخم.

أثر ضبط التضخم على نجاح عملية التبديل

ولفت قوشجي إلى أن التضخم هو العامل الأكثر حساسية في أي عملية نقدية. إذا لم يتم ضبطه، فإن تبديل العملة قد يفقد قيمته الاقتصادية ويصبح مجرد إجراء شكلي.

وأوضح أن ضبط التضخم يتطلب تحديد حجم الإصدار النقدي بما يتناسب مع الناتج المحلي الإجمالي، لتجنب زيادة السيولة بشكل يفوق القدرة الإنتاجية. وإدارة العرض النقدي عبر سياسات صارمة تمنع الإفراط في الطباعة أو التوزيع غير المنضبط، ما يعزز الثقة بالعملة الوطنية من خلال استقرار الأسعار، وهو ما يشجع المواطنين على استخدامها بدلاً من اللجوء إلى العملات الأجنبية.

مشكلة النقود خارج الجهاز المصرفي

يرى قوشجي أن الكتلة النقدية الكبيرة المتداولة خارج البنوك تزيد من الضغوط التضخمية، لأنها تتحرك خارج الرقابة الرسمية. وعملية التبديل يجب أن تكون فرصة لإعادة هذه الكتلة إلى النظام المصرفي، عبر إلزامية إيداع النقود القديمة في البنوك لاستبدال الجديدة بها، ووضع سقوف زمنية محددة لعملية التبديل. مع مراقبة دقيقة لمنع إعادة تدوير السيولة بشكل غير منضبط.

التعامل مع دول الجوار

وأوضح أستاذ الاقتصاد إن وجود كميات كبيرة من الليرة السورية في دول الجوار يشكل تحدياً إضافياً، إذ يمكن أن يؤدي إلى تدفق مفاجئ للسيولة وزيادة التضخم.

الحل يكمن في اتفاقيات ثنائية مع البنوك المركزية في الدول المجاورة لضبط عملية الاستبدال. ووضع سقوف قصوى للمبالغ المستبدلة خارج سورية. ومراقبة دقيقة لمنع المضاربات على الدولار الأمريكي قد ترفع أسعاره داخلياً إلى مستويات غير مسبوقة.

الشفافية والقبول العام

ويرى قوشجي أن نجاح عملية التبديل مرتبط بالشفافية المطلقة في الإعلان عن تفاصيلها، وخاصة فيما يتعلق بضبط التضخم. والقبول العام للعملة الجديدة يتوقف على شعور المواطنين بأن الأسعار مستقرة وأن الإصدار النقدي لا يهدد قوتهم الشرائية. وأي غموض أو نقص في المعلومات قد يؤدي إلى فقدان الثقة وزيادة الطلب على العملات الأجنبية، ما يعمّق التضخم بدلاً من ضبطه.

إن عملية تبديل العملة السورية يجب أن تكون جزءاً من برنامج شامل لضبط التضخم، وليس مجرد إجراء تقني، فنجاحها يتوقف على وضوح التفاصيل، شفافية التنفيذ، وربطها بسياسات نقدية صارمة تضمن استقرار الأسعار. فالمجتمع السوري اليوم بحاجة إلى إجراءات اقتصادية تعزز الثقة وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الإصلاح النقدي والمالي، يكون فيها ضبط التضخم هو الهدف المركزي.

محمد راكان مصطفى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock