الاقتصاد السوري ينهض من الرماد.. عملة جديدة.. نمو مرتقب.. واستثمارات تعود

لم يكن الاقتصاد السوري بعد التحرير مجرد أرقام ونسب نمو، بل كان مرآة لبلد يستيقظ بعد ستين عاماً من الجمود السياسي والاقتصادي. عامٌ شهد تحولات عميقة: عملة جديدة على الطريق، استثمارات عائدة، لاجئون يعودون، وخريطة اقتصادية تُرسم من جديد.
الخبير المالي والمصرفي الدكتور عبد الله قزّاز أكد أن 8/12/2024 لم يكن يوماً عابراً في تاريخ سوريا، وإنما يوماً عظيماً بدأ به عهدٌ جديد في تاريخ سوريا، عهدٌ من المتوقع إن شاء الله أن يكون مملوء بالتقدم والازدهار والسلام بعد حوالى ستين عاماً من القهر والفقر والظلم.
وقال: قد شهد المشهد الاقتصادي السوري بعد عام من التحرير تحولاً من اقتصاد مركزي بيروقراطي إلى أنموذج يعتمد على اقتصاد السوق الحر، مع تركيز على رفع العقوبات وجذب الاستثمارات لمواجهة الانهيار الناتج عن الحرب، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% في 2024، لينمو بنسبة 1% إلى 1.5% في عام 2025 .
وتوقع أستاذ الاقتصاد تحسن الليرة السورية مع إصدار العملة الجديدة، وتحويل 2026 إلى “عام التنمية” إذا نجحت الإصلاحات في مكافحة الفساد وبناء الثقة الدولية، بالاعتماد على الاستقرار الأمني والاستثمارات الخليجية والتركية، مضيفاً: ويتوقع المراقبون الاقتصاديون للاقتصاد السوري أن تشهد المؤشرات الاقتصادية للاقتصاد السوري في 2026 نمواً في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى حوالى 2.4% وفقاً لنماذج Trading Economics، وبناءً على نمو متوقع بنسبة 2% تقريباً، قد تتراوح قيمة الناتج المحلي الإجمالي بين المليار إلى المليار ونصف المليار دولار، لكن هذا يعتمد على استقرار الليرة ورفع العقوبات، ويظل الرقم غير مؤكد بسبب التضخم (36.8% سابقاً) والحاجة إلى استثمارات تصل إلى تريليون دولار للإعمار، ويعتمد ذلك على استمرار الإصلاحات والاستقرار الأمني، حيث يُقدر مصرف سوريا المركزي نمواً أعلى من توقعات البنك الدولي السابقة لـ2025 بنسبة 1%، مدعوماً بعودة اللاجئين وشراكات دولية.
وأضاف: في سيناريو متفائل، يصل نمو الناتج المحلي إلى 13.36% سنوياً حتى 2030، مع تحسن في الزراعة بنسبة 20% بدعم عودة 6 ملايين لاجئ. أما السيناريو المتوسط فيتوقع نمواً أقل من 3% بسبب نقص استراتيجية إعادة إعمار متكاملة، بينما ينكمش الاقتصاد بنسبة 7% في سيناريو تفكك أمني.
واستعرض قزّاز المؤشرات الرئيسية وهي: انخفاض تدريجي لمعدلات التضخم مع استقرار الليرة الجديدة وتكامل الدفع الرقمي عبر فيزا وماستركارد، وتحسن الدخل القومي الفرد إلى 900 دولار مع زيادة الاستهلاك والاستثمار في الطاقة والزراعة، وارتفاع حجم الاستثمارات مدعوماً برفع العقوبات وشراكات خليجية، لكن يبقى محدوداً عند 3% من الناتج المحلي في سيناريوهات محافظة.
كما استعرض قزّاز القطاعات الرائدة في الاقتصاد السوري على رأسها للطاقة باستثمارات بـحوالى 7 مليارات دولار في محطات غازية (4-5 آلاف ميغاواط) وشمسية (1000 ميغاواط)، لمعالجة انقطاعات الكهرباء وتعزيز الاكتفاء الذاتي، يليها للزراعة عبر إعادة تأهيل الري والريفية، مع زيادة إنتاج القمح والزيتون والفواكه، لدعم الأمن الغذائي وتصدير المنتجات.
وقطاع البناء والعقارات الذي يشهد طلباً هائلاً على إعادة الإعمار والإسكان، مدعوماً باستثمارات في الطرق والموانئ والسكك الحديدية.
ولفت إلى أنه يُعزز الاستثمار الأجنبي من دول الخليج وتركيا وآسيا وأوروبا هذه القطاعات، مع تركيز على نقل التكنولوجيا وخلق فرص عمل، خاصة للشباب في الشركات الناشئة الرقمية، ويظل النجاح مرهوناً بالاستقرار الأمني واستمرار رفع العقوبات والانفتاح الاقتصادي المستمر على بقية الدول.
وأشار قزّاز إلى أنه وبعد عامٍ من التحرير، تواجه سوريا تحديات اقتصادية جسيمة تستوجب مواجهة استراتيجية مستدامة لتحقيق التعافي وإعادة إعمار الاقتصاد الوطني، حيث إن الحرب دمرت البنية التحتية والقطاعات الحيوية وأسفرت عن خسائر اقتصادية تقدر بما يزيد على 800 مليار دولار، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تخطت 50-80% مقارنة بعام 2010. ويعاني الاقتصاد السوري من بطالة مرتفعة تصل إلى 25%، وفقر مدقع يؤثر على أكثر من نصف السكان، وسط ضغوط تضخمية هائلة على الليرة السوريّة مع نقص حاد في السيولة المالية.
ومن أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا حالياً برأي قزّاز هي استمرار العقوبات الدولية التي تقيد القدرة على إجراء تعاملات تجارية ونقدية دولية، بالإضافة إلى الحاجة الملحة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية التي تواجه تحديات أمنية وقانونية في ظل بيئة غير مستقرة، كما أن تدهور البنية التحتية، خصوصاً في قطاعات الماء والكهرباء والنقل، يعوق جهود التنمية والانتعاش الاقتصادي، ويضع عبئاً إضافياً على موارد الدولة المحدودة.
ونوه أستاذ الاقتصاد بأنه وعلى الرغم من هذه الصعوبات، فإن العام الجديد يحمل بعض التطلعات الإيجابية التي ترجح حدوث انتعاش تدريجي على المستوى الاقتصادي، ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للسنة القادمة بنسبة تتراوح بين 1% و2.4%، إذ بدأت مؤشرات الاستقرار الأمني والتحسن في المناخ الاستثماري تجذب اهتمام المستثمرين من دول الخليج وتركيا وآسيا وأوروبا، ويُتوقع أن تقود قطاعات الطاقة والزراعة النمو الاقتصادي، حيث وصلت استثمارات الطاقة إلى مليارات الدولارات في مشاريع محطات الغاز والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى تحديث وسائل الري والزراعة لزيادة الإنتاج الغذائي وتحسين الأمن الغذائي، كما أنّ قطاع البناء والعقارات يشهد طلباً متزايداً نتيجة الحاجة لإعادة الإعمار والبنى التحتية الأساسية.
وأضاف: تطمح الحكومة السورية مع بداية العام الجديد إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية كبيرة للحد من الفساد وتعزيز الشفافية لجذب المزيد من الاستثمارات، وأيضاً لإطلاق عملة محلية جديدة تدعم استقرار الليرة السورية وتخفف من التضخم. كما تسعى للاستفادة من عودة ملايين اللاجئين إلى البلاد لتعزيز القوى العاملة وتحريك الطلب المحلي، مع التركيز على تطوير مشاريع تنموية وتحويل الاقتصاد من الاعتماد على المساعدات الإنسانية إلى اقتصاد قائم على الإنتاج والاستثمار.
وختم بالقول: بعد عامٍ من التحرير نجد أنّ الاقتصاد السوري شهد نهضة اقتصادية رائعة لم يشهدها خلال تاريخ سوريا وأنّ التغيير الاقتصادي نحو الأفضل مستمر وأنّ المواطن السوريّ أصبح يشعر بهذا التغيير ولا يمكن التقليل من أهمية وقيمة الخطوات الاقتصادية الإيجابية التي تم اتخاذها، ويستحق الشعب السوري هذا النصر والتقدم وكل عام وشعبنا بألف خير.
الوطن – محمد راكان مصطفى