العناوين الرئيسيةمقالات وآراء

التاريخ يمنح دمشق فرصة ثانية فهل تتعلم من الأولى؟

رفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب ليس مجرد حدث سياسي عابر بل هو تحول استراتيجي يعيد رسم ملامح سوريا الجديدة بعد سنوات من الحرب والانهيار.

هذا القرار الذي جاء بإجماع دولي شبه كامل يعكس تغيراً عميقا في مقاربة المجتمع الدولي تجاه دمشق ويشير إلى انتقال من مرحلة العزل والضغط إلى مرحلة الاختبار والمراقبة، اختبار لقدرة الدولة على بناء نموذج مختلف يوازن بين السيادة والانفتاح وبين الأمن والحرية.

رفع العقوبات يحمل في طياته بعدين متداخلين الأول رمزي يتعلق باستعادة الدولة السورية لشرعيتها الدبلوماسية بعد أن كانت منبوذة ومعزولة، والثاني عملي يتعلق بفتح الباب أمام إعادة الدمج الاقتصادي وإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، لكنه أيضا يحمل شرطاً ضمنياً بأن لا عودة إلى نهج الماضي ولا مكان لدولة تستنسخ أساليب القمع والتهميش نفسها.

ولهذا المجتمع الدولي منح دمشق فرصة جديدة لكنه في الوقت ذاته وضعها تحت مجهر المساءلة، فالعقوبات يمكن أن تعود في أي لحظة إن لم تتحول الوعود إلى أفعال.

وداخلياً يجد الرئيس الشرع نفسه أمام تحدي بناء شرعية أداء لا شرعية خطاب، فالسوريون لم يعودوا يبحثون عن انتصارات رمزية بل عن كهرباء في بيوتهم وخبز في أيديهم ووظائف تحفظ كرامتهم، ولهذا رفع العقوبات لن يغير الواقع إن لم يرافقه إصلاح إداري عميق يقضي على الفساد المزمن ويعيد للدولة هيبتها بوصفها مؤسسة خدمة لا أداة سلطة.

والرئيس الشرع يدرك أن استقرار الحكم اليوم لا يأتي من القبضة الأمنية بل من كفاءة الإدارة وشفافية القرار وعدالة التوزيع على المستوى الاجتماعي.

والواقع الجديد يفرض ضرورة المصالحة الوطنية الحقيقية بين السوريين فالحرب لم تمزق الأرض فقط بل مزقت النسيج الإنساني أيضاً حيث أصبح إحياء الثقة أصعب من إعادة البناء لأن المصالحة لن تكون بالعفو العام وحده بل بالعدالة الانتقالية والاعتراف بالمعاناة المتبادلة وفتح المجال أمام عودة المهجرين في بيئة آمنة تحفظ كرامتهم.

علماً أن رفع العقوبات عن الاقتصاد يفتح نافذة ضوء لكنها تحتاج إلى بيئة قانونية واضحة ومؤسسات نزيهة وضمانات حقيقية للاستثمار لأن إعادة الإعمار يجب ألا تكون غنيمة سياسية بل منصهراً لبناء وطني يوحد الطاقات ويعيد الثقة.

كما أن موقع سوريا إقليمياً يتغير ببطء من دولة منبوذة إلى طرف في معادلة الاستقرار في الشرق الأوسط.

علماً ان الرياض رحبت بعودة سوريا للحضن العربي واحتضنتها كدولة شقيقه تتمنى لها الخير، وتتعامل مع دمشق بسياسة جديدة تسعى للاستقرار مقابل الانفتاح، وأبو ظبي التي تسعى ايضاً للاستقرار والانفتاح على دمشق والأردن ولبنان، ينتظران عودة التجارة وتخفيف عبء اللاجئين، وتركيا تراقب من زاوية الأمن الحدودي والملف الكردي، أما إيران وروسيا فتخشيان أن تكون إعادة الدمج الدولي على حساب نفوذهما المباشر.

ودولياً تتبنى واشنطن وبروكسل سياسة الانخراط المراقب بدل العزل، فهما ترغبان في منع انهيار سوريا أكثر من اندماجها السريع لكن الدعم الغربي يبقى مشروطاً بالإصلاح والشفافية واحترام حقوق الإنسان.

علما أن انعكاس القرار على الواقع السوري يتجاوز السياسة إلى إعادة تعريف معنى الدولة، فسوريا التي خرجت من الحرب تحتاج إلى إعادة بناء الثقة قبل إعادة بناء الحجر، والقيادة الجديدة إن أحسنت استثمار الفرصة قد تدخل عصر استقرار وتوازن إقليمي، أما إن اكتفت بالخطاب فقط فستعود إلى العزلة لأن رفع العقوبات ليس نهاية للحرب بل بداية لمرحلة الاختبار والبناء.

بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

 

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock