مقالات وآراء

التحولات المقبلة في السياسة الخارجية الأميركية

لا أحد يستطيع تجاوز جدول العمل الذي ينشغل فيه الآن أصحاب القرار في الدول الكبرى وبقية دول العالم حول السياسة التي سيتخذها الرئيس الأميركي المنتخب ترامب عند دخوله إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2017.
وإذا كان من الصحيح الاعتقاد أن ما يعلن عنه مرشحو الرئاسة أثناء الحملات الانتخابية من مواقف ووعود هدفه جلب الأصوات من أجل الفوز وهو ما يثبته سجل الحملات الانتخابية، فإنه من الصحيح أيضاً أن الفئات المتنفذة في عالم الاقتصاد والصناعة في الولايات المتحدة التي ستمد يدها لترامب ويتفق معها لن تكون هي الفئات نفسها التي فقدت مرشحتها الديمقراطية هيلاري كلينتون.
فالمصالح الخاصة هي التي تشكل بوصلة مواقف أهم أصحاب الرأسمال الأميركيين تجاه هذا الرئيس أو ذاك مثلما لا يستطيع أي رئيس تجاهل تأثير هذا العامل في قراراته.. ومع ذلك ترتسم مساحة واسعة من الفرص أمام الرئيس ترامب الذي سيتسلم الرئاسة بعد شهرين، ومن هذه الفرص التي يتحدث عنها مستشارون لبوتين ومستشارون يبحثون عن دور مع ترامب في واشنطن «أبعاد سياسة حافة الهاوية في تعامل ترامب مع روسيا الاتحادية»… ففي المجلة الإلكترونية الشهيرة (أنتي وور) يكشف (جيسون ديتس) أن أحد كبار المستشارين في الكرملين (سيرجي كلازييف) أن فرصة وجود ترامب رئيساً جديداً «ربما تجنب في النهاية وقوع حرب عالمية ثالثة بين حلف الأطلسي وروسيا الاتحادية».
والملاحظ أنه من الطبيعي أن تدعو دول كثيرة ترامب إلى تغيير سياسة أوباما وهذا يعني أن فوز هيلاري بالرئاسة لا يوفر فرصة للتغير على حين أن وجود رئيس جديد تنكر له عدد من قادة الحزب الجمهوري وجميع قادة الحزب الديمقراطي المنافسين له ربما يضع أمامه مثل هذه الفرصة خصوصاً في السياسة الخارجية.. وبالمقابل بدأ بعض أفراد فريق العمل السياسي معه بتحذيره من التسرع في اتخاذ قرارات في السياسة الخارجية ونصحوه بالتريث بهدف تحقيق توازن في الأهداف المطلوبة في هذا المجال خصوصاً في أوروبا- لكن هناك عدد من المؤشرات التي يوضح محللون أميركيون أن ترامب وفريقه ومصالح من يقف معه سيكونون مجبرين على المبادرة بتغيير في السياسة الخارجية لا أحد يمكن أن يتكهن حول نسبته. وقبل أيام قال (توماس رايت) أحد أهم الخبراء بالسياسة الخارجية الأميركية في (معهد بروكينغز) الأميركي: إن الانتخابات الأميركية التي جرت تعتبر أهم انتخابات في العالم منذ الانتخابات الألمانية عام (1932) أي لجهة التغيرات التي أحدثتها في النظام العالمي والاقتصادي العولمي والوضع الجيوسياسي.
ورأى (رايت) أن ترامب يميل إلى تركيز الاهتمام على الولايات المتحدة باتباع سياسة تقلل حجم واتساع التدخل الخارجي وأن هذه السياسة ستظهر من خلال ثلاثة عناصر: 1- «معارضته لبعض التحالفات الأميركية» 2- «معارضته للتجارة الحرة» 3- «تمسكه بنظام حكم أميركي أشد مركزية في سلطته».
وبغض النظر عما يراه (رايت) من الواضح أن العالم بعد عام 2017 سيطرأ عليه تغيير فرضه ظهور مؤشر قوي في ميزان القوى العالمي منذ عام 2011 واتساع الدور الروسي المدعوم صينياً وبمنظمات دولية اقتصادية وسياسية مثل (البريكس) ومنظمة (شانغهاي للتعاون)، وهذا ما يؤكده المستشارون الروس والأوروبيون منذ سنوات قليلة. ولذلك كان فوز هيلاري كلينتون سيعبر عن سياسة تريد من خلالها (لجم وتحجيم) توسع الدور الروسي وعدم الاعتراف بهذا الدور في نظامها العالمي وهي سياسة أوباما نفسها التي ظهر الدور الروسي أثناء ولايته… وبالمقابل يبدو أن (ترامب) سيكون مجبراً وبما يخدم رؤيته السياسية لمصلحة الولايات المتحدة على إيجاد سياسة جديدة تجاه هذا التحول الواضح في مؤشر توازن القوى بين الولايات المتحدة ودول أخرى صاعدة ومصممة على الدفاع عن دورها ومشاركتها في أي نظام عالمي يتفق على بناء قواعد العمل فيه.
والجمهوريون يدركون أن إدارة بوش الأخيرة في عام 2008 لم تشهد خلال ثماني سنوات حكمه واحتلاله للعراق وأفغانستان دوراً روسياً وصينياً ظهر على الساحة الدولية وفي الشرق الأوسط بقوة متسارعة وفرض على إدارة أوباما في السنوات الماضية مراجعة حساباته بعد لجوئه إلى سياسة «حافة الصدام» مع روسيا.
ولذلك يمكن التكهن بأن العالم سيطل مع بداية عام (2017) على نافذة فرص قد تؤشر إلى أولى الخطوات العملية نحو انتهاء النظام العالمي ذي القطب الواحد وعلى أكثر من مستوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock