التدخلات الإسرائيلية في سوريا.. أدوات محلية لتعطيل مشروع الدولة

مستوى غير مسبوق من التورط الإسرائيلي في الشأن السوري، كشفته التحقيقات والمعلومات التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” اليوم، وذلك بهدف عرقلة استقرار سوريا الجديدة ومنعها من الانطلاق في مسار إعادة الإعمار، عبر إدارة وتحريك أدوات محلية بما يخدم أجندات سياسية محددة.
تحقيقات “الواشنطن بوست”، سلطت الضوء على أحد أخطر أشكال التدخل الخارجي في الأمن الوطني السوري، من خلال فضح تفاصيل الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إسرائيل و”قسد” لميليشيات مسلحة في السويداء يتزعمها حكمت الهجري، تحت مسميات مضللة مثل “الحرس الوطني” و”المجلس العسكري”، إلى جانب الدور الإسرائيلي المباشر في تغذية مشاريع انفصالية تقودها أطراف غير سورية ضمن بنية “قسد”.
وتؤكد المعطيات التي أوردتها الصحيفة، استناداً إلى مصادر إسرائيلية وغربية، أن إسرائيل تتعامل مع سوريا بوصفها ساحة مفتوحة لتنفيذ سياسات التفكيك وإدارة الصراعات، عبر توظيف مجموعات محلية مأجورة تُغلف بخطابات مضللة عن «الحماية» أو «الخصوصية المجتمعية»، إذ إن الدعم المالي المباشر ودفع الرواتب وتسليح العناصر وتدريبها، وصولاً إلى الإشراف الاستخباري، تكشف جميعها عن مستوى عالٍ من التحكم الإسرائيلي الفعلي بهذه الميليشيات، سواء تلك المنتشرة في السويداء أم المرتبطة بـ«قسد» في الشمال الشرقي.
والأخطر في هذه الوقائع ليس فقط حجم الدعم بل طبيعة الهدف، حيث تجاوزت المسألة «اضطرابات محلية» إلى مشروع تفتيت جغرافي ممنهج يهدد دول الجوار، وهو مشروع يتقاطع تماماً مع المصلحة الإسرائيلية التاريخية القائمة على إضعاف الدول المحيطة بها وتحويلها إلى كيانات متناحرة.
وفي المقابل، يفضح التناقض في التصريحات الإسرائيلية – التي تنفي مصلحتها في إنشاء كيان درزي – حقيقة التعامل البراغماتي والانتهازي مع مكونات المجتمع السوري، بوصفها أوراق ضغط قابلة للاستخدام والتخلي، لا شركاء ولا حلفاء، وبالتالي أقروا بأن هذه الميليشيات ليست سوى أداة تفاوض مؤقتة في حسابات تل أبيب، إن هذه الوعود ليست سوى انعكاس لمدى التلاعب الخارجي ببعض المتزعمين المحليين، ومحاولة جرهم إلى مشاريع لا تخدم إلا من صممها.
ورغم ذلك يبدو أن استهداف سوريا المتواصل منذ لحظة التحرير ينطلق من خشية إسرائيل من نجاح مشروع الدولة السورية الجديدة، القائم على إعادة الإعمار واستعادة السيادة، وبناء نموذج دولة مستقرة وقادرة، فهذا النجاح إن تحقق، سيقوض سرديات الفوضى ويشكل تهديداً حقيقياً للمشروع الإسرائيلي القائم على التفوق عبر إضعاف الآخرين.
من هنا، فإن ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” يجب أن يكون جرس إنذار للسوريين جميعاً، بأن معركة السيادة لم تنتهِ، وأن أخطر أدواتها هي تلك التي تُدار بأيدٍ سورية مأجورة، وتُمول وتوجه من الخارج، لضرب وحدة البلاد ومستقبلها.
الوطن