الحكومة: اصبروا حتى نصلح… الشعب: أصلحوا حتى نصبر

في ظل الإرث الاقتصادي الثقيل الذي خلّفه النظام البائد، يعيش السوري اليوم بين قرارات حكومية متتالية تهدف الى “الإصلاح الاقتصادي”، لكنها تتحول عملياً إلى عبء يومي يرهق المواطن.
فبعد رفع أسعار الخبز عشرة أضعاف، والمحروقات والمواصلات أضعافاً مضاعفة، جاء رفع الكهرباء ليزيد المشهد قسوة، إذ ارتفع سعر الكيلوواط من نحو 10 ليرات إلى 600 و1,400 ليرة للشريحتين الأولى والثانية، ما جعل الفاتورة الشهرية تتجاوز قدرات معظم الأسر.
الحكومة تبرر الخطوة بأنها ضرورية لتقليص العجز وضمان استدامة قطاع الطاقة، معتبرة أن الأسعار الجديدة تعكس الكلفة الحقيقية للإنتاج، لكن المواطن لا يرى سوى ارتفاع في الأسعار من دون تحسن في الدخل أو الخدمات.
الرواتب لا تزال متدنية، والقدرة الشرائية تتآكل يوماً بعد يوم، بينما تواصل الأسواق انفلاتها بلا رقابة فعالة، والودائع البنكية مجمدة تجعل أصحابها في مواجهة أزمة سيولة خانقة.
الاستياء لم يقتصر على المدن الكبرى، بل امتد حتى إلى أبناء إدلب الذين اعتبروا أن القرار يتجاهل واقع الدخل المتدني للمواطن السوري في كل المحافظات.
المشكلة، كما يرى كثيرون، ليست في مبدأ الإصلاح بل في غياب العدالة في تطبيقه. فرفع الأسعار دون مرافقة ذلك بإجراءات إنصاف اجتماعي — كزيادة الأجور، و ضبط الأسواق، ودعم الفئات الهشة — يجعل هذه القرارات أقرب إلى جباية مالية لا إلى إصلاح اقتصادي.
الإصلاح الحقيقي لا يكون على حساب لقمة المواطن ولا دفء بيته. بل يبدأ من مكافحة الهدر والفساد وترشيد الإنفاق العام، لا من جيب العامل والموظف والمتقاعد. فكيف يُطلب من المواطن أن “يصبر” في وقت لم يعد فيه راتبه يكفي لأيام، ولا يرى في الأفق إلا وعوداً بتحسن قريب يتعلق بأمل رفع العقوبات عنه وتدفق الاستثمارات؟
لقد أصبح السوري اليوم كما يقول المثل الشعبي: “مقسوم لا تاكل، وصحيح لا تقسم، وكول لتشبع.”
صبره تجاوز حدود المعقول، لكن استمرار تحميله وحده كلفة الأزمات يهدد الاستقرار الاجتماعي قبل الاقتصادي.
إن الإصلاح لا يُبنى بالصبر القسري، بل بالثقة المتبادلة. والحفاظ على الثقة ببنى عندما يشعر المواطن أن الدولة تشاركه الأعباء لا تلقيها عليه.
فالمعادلة العادلة اليوم ليست “اصبروا حتى نصلح”، بل “أصلحوا حتى نصبر.”
محمد راكان مصطفى