مقالات وآراء

«الخوذ البيضاء» الرهائن

يقول الضابط المتقاعد من المخابرات العسكرية البريطانية جيمس لوميزوريير في مقابلة صحفية أجريت معه عام 2015 واستشهد بها الصحفي سكوت لوكاس في مجلة «ذي كونفيرزيشين» الالكترونية أنه أطلق مجموعة «الخوذ البيضاء» بهذا الاسم في تشرين الأول عام 2014 بعد أن أسسها بنفسه وجمع لها 3000 فرد وكان في عام 2013 قد استعان بمختصين أتراك في الإنقاذ والإسعاف لتدريب عدد من هؤلاء الأفراد من أجل نقلهم إلى سورية، ويوضح أن التمويل كان بمبلغ 30 مليون دولار سنويا دفعته عدد من الدول هي بريطانيا والدانمارك وهولندا واليابان وألمانيا ثم الولايات المتحدة.
والخوذ البيضاء هو اسم سرقه المؤسسون من منظمة أرجنتينية للدفاع المدني والإنقاذ ما تزال موجودة وتحمل نفس الاسم الخوذ البيضاء منذ سنوات كثيرة لكن باللغة الإسبانية «كاسكاووس بيانكوس» لكن أعضاء المنظمة الأرجنتينية لم يحملوا معهم كاميرات تصوير احترافية على غرار أعضاء الخوذ البيضاء السوريين بل مواد إسعاف وما كانوا محترفي تصوير وإخراج للأفلام والفبركات الإعلامية.
وتكشف مجلة سنوبس الالكترونية البريطانية بالاستشهاد بتحليل للكاتبة البريطانية فانيسا بيرلي أن هذه المنظمة المصنوعة من المخابرات البريطانية لم يكن لها رقم اتصال هاتفي أو موبايل للاتصال بها من أجل «الإنقاذ» في الأماكن التي عملت فيها وكان أعضاؤها يعملون داخل مناطق سيطرة المسلحين من مختلف المجموعات من داعش وجبهة النصرة وغيرها وتظهر لهم صور بملابسهم الرسمية وخوذهم البيضاء وهم بين المسلحين وكان بعضهم يظهر بالصور بخوذته البيضاء بسلاح ناري ومن الطبيعي ألا يسمح المسلحون ببقائهم بينهم لو لم يكونوا على وفاق معهم وهم يرونهم كيف يديرون نظاما وحشيا ضد المدنيين في مناطق سيطرتهم.
ومع ذلك جندت كل وسائل الإعلام الغربية والعربية المتحالفة ضد سورية نفسها بكل أفلامها وعروضها لترويج صورة أصحاب هذه الخوذ وكأنهم منظمة إسعاف دولية ثم تبين أنهم كانوا من أوائل من يظهر في كل موقع تجري فيه فبركة اتهام للجيش السوري باستخدام مواد كيميائية لتحريض المجتمع الدولي ضد سورية وعقد جلسات لمجلس الأمن الدولي لإدانتها وفرض العقوبات عليها وهم الذين ظهرت آخر صورهم في مواقع الفبركات الكيميائية في دوما قبل أشهر قبيل انسحاب المجموعات المسلحة هناك.
ورشحتهم الدول الغربية التي وظفتهم للحصول على جائزة نوبل للسلام لكن عدد المعترضين على هذا الترشيح زاد كثيراً عن عدد الموافقين وتقدم المعترضون بأسباب كشفت أنهم ليسوا أصحاب مهمة إنقاذ بل كانوا مجرد «مجموعات جندت لتغيير النظام وليس لمساعدة المدنيين» ولا يمكن اعتبارهم محايدين أو منحازين للمدنيين الأبرياء بل للمسلحين من مجموعات جبهة النصرة والقاعدة وخصوصاً في حلب وإدلب ودوما.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا اختيرت إسرائيل لإخراجهم إلى الدول الأجنبية باستعراض علني؟
يقدر عدد من المحللين في الغرب إن إسرائيل لم تقم بهذه المهمة إلا بعد أن ضمنت لها الدول الداعمة للخوذ البيضاء الإعلان عن أنها طلبت منها رسمياً وعلنا القيام بمهمة كهذه ولذلك سارع وزير خارجية بريطانيا ووزارة الخارجية الأميركية ومفوض الاتحاد الأوروبي بالإعلان عن شكرهم لإسرائيل أمام وسائل الإعلام.
وكان الخوف، من سقوط عدد من أصحاب الخوذ البيضاء بأيدي الجيش السوري أو تسليم البعض لأنفسهم، مريعا عند كل هذه الدول، لأن ذلك قد يشجع بعض أصحاب هذه المجموعة على الاعتراف بدور الخوذ البيضاء ومن كان يوظفها في فبركة اتهامات الكيميائي والكشف عن وثائق تدين كل هذه الدول في مثل هذه الفبركات.
رأى بعض المحللين أن الغرب طلب من نتنياهو القيام بهذه المهمة لإبعاد رجال الخوذ البيضاء عن التسبب بفضيحة موثقة إذا سلم بعضهم نفسه للجيش السوري ضمن تسوية وضعه أو إذا انقلب البعض بصحوة ضمير وقرر عرض الحقائق على العالم فقد سيق هؤلاء كرهائن إلى الخارج وطمأنهم الغرب باستيعابهم في دوله بأفضل الشروط لكي يحاصر أي إمكانية تؤدي إلى الكشف عن دوره من خلالهم.
ولا يستبعد الكثيرون أن تحاط أماكن وجودهم في هذه الدولة أو تلك بسرية كي لا تتسرب منهم لأي سبب، معلومات عن سجل أعمالهم وأساليب عملهم في فبركة الاتهامات وفي علاقاتهم بالمجموعات الإرهابية المسلحة.
يبدو أن إعلان إسرائيل عن مهمتها فيما يسمى بتقديم الدعم والمساعدة لهم لإخراجهم كان أيضاً محاولة مقصودة لمنع أي خط رجعة عند البعض منهم نحو تحقيق تسوية لوضعه مع الجيش السوري على غرار ما كان يجري مع الكثيرين من المسلحين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock